انتصار الدنان - السفير - تصوير خليل العلي:
أحمد شناعة فلسطيني في السادسة عشرة من العمر، ترك المدرسة لأنه لم يكن «مرتاحاً في الدراسة، فالتعليم لم يكن في المستوى المطلوب، والأساتذة كانوا يتشددون في المعاملة ويستخدمون أساليب عنفية». تقول ملاك حجير: «تركت الدراسة نتيجة معاملة المعلمات السيئة، وكنت أتعرّض للعنف والضرب، مع العلم بأنني تركت المدرسة وأنا في الصف السابع الأساسي، وكانت علاماتي جيدة. بعد ذلك حاولت أن أتابع دراستي، لكنني لم أستطع».
مالك دياب، طفل في الثانية عشرة من العمر، تسرّب من مدرسته ليتعلم مهنة حدادة السيارات. لم يترك المدرسة لأسباب ماديّة، لكنه يقول: «تركت المدرسة، لأنني لا أحبها، كنت كلما أرسلني أهلي إليها أهرب. تركتها وأنا في الصف السادس الأساسي، أكرهها، لا أحبها، لا أحب أن أدرس ولا أن أكتب فروضي».
أمّا لماذا ترك مالك المدرسة؟ فيجيب والده ماهر دياب، وهو يعمل بحدادة السيارات، «سبب ترك ابني المدرسة هو هروبه المتكرّر منها، وحين سألته إن كان يريد العودة إليها أجاب لا، ولأنه لا يحب المدرسة جئت به لتعلم مهنتي على الرغم من أن أخاه الأكبر سناً يتعلم في الجامعة العربية ويحب الدراسة».
أمّا عن الأسباب الحقيقيّة للتسرب، والمسؤول عنها، فهذا ما يجيب عنه الأهل والمدرسون وذوو الاختصاص. فيرى بعض الأهالي أنه قد تكون هناك أسباب مادية تعيق تعليم الولد، فيخرج الطفل من المدرسة ويعمل ليساعد أهله في مصروف البيت، وذلك لوجود ضائقة اقتصادية، وهناك أيضاً أسباب تتعلق بالأولاد أنفسهم، فهم لا يريدون أن يتعلموا، خصوصاً إذا كان الطفل ضعيفاً، فيضطر أهله لإخراجه من المدرسة وتعليمه مهنة. ويقول مدرسون في مدارس «الأونروا» ان «ما يدعو إلى تسرب بعض الأولاد من المدارس هو واقع الإنسان الفلسطيني، وواقع الطالب الفلسطيني الذي يعيش في مخيمات بؤس وظروف اقتصادية صعبة، وبيئة غير ملائمة، وهذا كلّه يؤدي إلى نتائج سلبية في تحصيلهم الدراسي، ما يدعوهم إلى ترك مقاعد الدراسة».
يضيفون: «لا توجد مدارس نموذجيّة تجذب الطالب، ومدارسنا دون المستوى المطلوب، وهي عاجزة عن جذب الطالب، وهناك أيضاً مسؤولية ملقاة على الأهل لجهة عدم اهتمامهم بتثقيف أولادهم. ولا ننسى أنّ التلميذ الفلسطيني لا يجد فرصة عمل بعد تخرّجه، وهذا الأمر يحدّ من تشجيعه على التعلم، فهو لا يجد عملاً حتى لو كان مهندساً أو طبيباً، وهذا عامل محبط للطلاب ولا يشجعهم على التعلم». ويتابعون: «في السابق كانت فرص العمل أوسع أمام الفلسطيني، أمّا الآن فهناك صعوبة بالغة في إيجاد فرصة عمل. ونحن كفلسطينيين أمام كارثة وطنية وليس فقط تعليمية، فهناك أكثر من 70 في المئة من الطلاب من دون تعليم».
وتعتبر إحدى المدرسات أن «التسرّب يحصل بسبب الضعف التعليمي. وهناك أسباب تتعلق بالفتيات وهي الخطوبة أو الزواج المبكر في المرحلة المتوسطة». وتقول مرشدة اجتماعية في إحدى مدارس «الأونروا»: «أحاول متابعة أمور التلامذة قدر المستطاع، وأحياناً أضطر لاستقبال أهالي الطلاب إذا دعت الحاجة، وأقوم بكتابة قائمة بأسماء الطالبات اللواتي قد يقعن في خطر التسرّب وذلك بناء على النتائج. كذلك، أتابع المعلّمات وأرصد الحالات، وأعمل على مقابلات فردية توجيهية للطالبات وأهلهن، وأحاول أن أعالج المشكلات الموجودة».
تضيف: «من خلال رصدي حالات التسرّب عند الفتيات استنتجت أن السبب ليس صعوبة التعليم، أو عدم اجتهاد الطالبات، لأنهن في صفوف معينة يكنّ بدرجة جيد جداً، لكن ما إن تدخل الفتاة سن المراهقة وتبدأ التفكير بالزواج حتى يتأخر تحصيلها التعليمي. وهذه مشكلة يجب أن ينتبه إليها الأهل، لأنهم هم من يشجعونها ويقنعونها بالزواج، لأن الفتاة لا بد من أن تتزوج، والتعليم لا يفيدها».
ويرتكز عمل المرشدة على تنظيم محاضرات وندوات لتوجيه الفتيات في شأن أهمية التعليم، إضافة إلى عقد لقاءات مع الأهل، و«هذا علاج قد يكون مناسباً للحد من تسرب الفتيات».
ويرى هيثم عبدو، وهو مدير مشروع في «مؤسسة NAPS»، عمل سنتين مع «الأونروا» في دراسة التسرب المدرسي في منطقتي صيدا وصور، أنّ أهم أسباب التسرب هو ضعف التحصيل العلمي بالنسبة إلى 34 في المئة من حالات التسرب، والسبب الآخر هو ترك الدراسة من أجل العمل وإعالة الأسرة وهؤلاء يشكلون 24 في المئة من المتسربين. ويلفت إلى أن «11 في المئة يتركون الدراسة لعدم رغبتهم بها، و10.52 في المئة يتركونها بسبب مشاكل عائلية بين الأب والأم، وكذلك هناك 4.65 في المئة يتجهون إلى التدريب المهني لرغبتهم في العمل، و7.65 في المئة من الفتيات يتوقفن عن التعلّم بسبب زواجهنّ المبكر، وهناك أسباب تتعلق بالأمراض المزمنة التي تعيق الطالب عن متابعة دراسته وهؤلاء نسبتهم 2.63 في المئة».
يضيف: «أي علاج لموضوع التسرب يتعلق بثلاثة محاور: البيت أولاً، والمدرسة ثانياً والطالب نفسه ثالثاً، فلا نستطيع معالجة هذه الظاهرة إلا باجتماع هذه المحاور الثلاثة، وكنا نعالج قضية التسرب من خلال شقين، الشق الأول هو إعادة الطلاب إلى المدارس مع برنامج مخصص لهم كي يستطيعوا اللحاق بزملائهم، والشق الثاني يتمحور حول الطلاب الذين يرفضون نهائياً العودة إلى المدرسة، فنعمل على متابعتهم وتحويلهم إلى التدريب المهني».
ويشير عبدو إلى أنّ «عملنا الأساسي كان التدخل المباشر مع المدارس والتلاميذ والأهل، فكنا نذهب إلى المدرسة لنعرف الطلاب المتسربين، نزورهم في بيوتهم ونملأ استمارة لمعرفة سبب التسرب. ونحن نستكمل المشروع الآن، لكن بطريقة أخرى وهي فقط التدريب المهني، من دون العمل على إعادتهم إلى المدارس.