سِمَاهُم في وجوههم» تكاد تكون هذه العبارة الأفضل وصفاً لمحيا أطفال المخيمات الفلسطينية الذين يرسمون في طيات بسماتهم أحزانا لا يعرف حقيقتها إلا من يعيش تفاصيلها اليومية.. والتاريخية. إلا أنه بالرغم من هذا الواقع المأزوم الذي يرزح تحت «بورصة الأمن» والفقر المدقع، تبقى أحلام اليقظة تهاود أحلامهم حيث لا يكاد الأمل يفارق عيونهم البريئة والمشتعلة، والابتسامة على الرغم من مرارتها تضيء وجوههم، وقلوبهم تخفق بالحياة، ويهربون بأحلامهم إلى بؤرة اللا واقع يودون لو كانوا كغيرهم من أطفال العالم يتمتعون بذات الحقوق البسيطة وتشرق وجوههم بالابتسامة النابعة من قلوبهم الآمنة.
بلا وطن..
ما قيمة الإنسان؟في أزقة مخيم عين الحلوة التي تحاول الشمس مراراً وتكراراً التسلل إلى بيوته وحاراته التي تفتقد بالحد الأدنى من مقومات العيش الإنساني، وحيث يتربص حرمان هؤلاء الأطفال من الألعاب والثياب والحلوى والمصروف اليومي ومن العيش والأمن والأمان، تبقى فلسطين القضية الحاضرة بآلامها وذكرياتها، تبقى الأرض السليبة المقهورة التي لا بد أن تتحرر.. وتبقى أرض المخيم المتسخة والمتشققة البديل «الموقت» منها بالنسبة لهم.
يحكي محمد الصالح إبن السنوات التسع الحالم بالعودة إلى فلسطين للعب في بيارة منزل جده الذي يحدثه عنها مراراً وعن متابعته لأحوال موطنه المغتصب من قبل العدو «الاسرائيلي» الذي يسقط في كل دقيقة حقده على شعب فلسطين.
ويقول الطفل الذي تراوده أحلام كبيرة غابت عن بال الزعماء والرؤساء العرب: «لا أترك فرصة إلا وأشارك في أي تظاهرة تضامنية مع أترابي تعبيراً عن انتمائي لهذه الأرض وشجباً للعدوانية الصهيونية».
ويضيف محمد الطالب في مدرسة الصمود: «إسرائيل» سبب كل معاناتنا وفقرنا، لقد سرقت منا الأرض والعزة وأحلام الطفولة، أريد دراستي مهما كانت الظروف صعبة، عندما أكبر سأحقق أحلامي، وأستعيد طفولتي في أرض أجدادي بالعودة».
تلك التمنيات والأحلام الكبيرة التي إن دلت على شيء فهي تدل على الانتماء للأرض والقضية ولم تمنعه من التفكير بطفولته معبراً عن سخطه من الفقر المدقع عندما طلب من والده أن يشتري له دراجة هوائية ولكن أبو محمد يخلف دائماً بوعده، ليس لأنه لا يريد أن يلبي طلب إبنه الوحيد بل بسبب تقاضيه راتباً محددا لا يكفي لتأمين قوت اليوم لعائلة تتألف من ثلاثة أشخاص.
طفولة مسروقةمعاناة أخرى لأطفال مخيم عين الحلوة يجسدها الفتى محمد الخطيب (14 عاماً) المتفوق في علمه، وقد اضطر لترك علومه المدرسية ليدخل باكراً في معترك سوق العمل، متناسياً طفولته وأحلامه الوردية، أو بالأحرى طفولته التي سرقتها منه وحوش البشرية الحديثة.
ويعزو محمد هذا النموذج الذي ينتشر بكثرة ليس فقط في عين الحلوة إنما في كل المخيمات فيقول: «لقد تركت المدرسة منذ سنتين، بعدما وصلت إلى الصف الخامس ابتدائي، أردت العمل ومساعدة والدي لأنه ليس لديه المال الكافي كي يصرف علينا وتوفير حياة كريمة لعائلتي، قررت الانخراط باكراً في العمل، متناسياً طفولتي وأحلامي، أعمل الآن أجيراً في صالون حلاقة، وأتقاضى عشرة آلاف ليرة لبنانية».
ولا يخفي محمد اشتياقه للعودة إلى مقاعد الدراسة يوماً ما وأن يتمكن من أن يعيش طفولته بكل تفاصيلها كباقي أطفال العالم، ثم يعود سريعاً ليستدرك الواقع ويقول: «هذا قدرنا وعزائي الوحيد أنني أحاول أن لا يلقى أخواتي «الصغار» هذا المصير من خلال مساعدة والدي في مصروف البيت وإعطائهم مصروفهم اليومي، وعليّ أن لا أكون أنانياً».
لعبة «باربي» وهميةأما فاطمة عوض في الثانية عشرة من ربيع عمرها الوردي فتقول: «أحلامي ليست كبيرة أو تعجيزية لا يمكن تحقيقها، أحلامي لا تتعدى حدود حقوقي في الحياة الكريمة الهانئة كأيٍ من أطفال الدنيا، وعلى الرغم من ذلك لا أستطيع تحقيقها إلا في غبطة نومي».
وتتابع: «حين أستيقظ من أحلامي... أفتش عن لعبتي «الباربي» لكنها غير موجودة... أعود إلى أرض الواقع فأشعر بالمزيد من الألم والحزن العميق... هنا في المخيم حيث لا فسحة للأمل... والأمل الوحيد لنا كفلسطينيين هو العودة إلى أرض فلسطين». قبل أن تتوقف لبرهة وبغصة ثم تقول: «الشهيدة آيات الأخرس هي نموذج لنا لكي نحقق أحلامنا الكبيرة والصغيرة».
أصبح التحرير حلماًيمتشق بندقية بلاستيك ويجول فيها متنقلاً بين المراكز العسكرية للفصائل الفلسطينية ويتصدر التحركات الداعمة للمقاومة الفلسطينية، بكوفيته العتيقة.. ووجهه المسمر واللامع كقرص الشمس، ويشرح أحمد عيسى ـ ثماني سنوات ـ بكل ثقة سبب نشاطه هذا قائلاً بلكنة فلسطينية: «بدي أروح على فلسطين وحررها من هدول الصهاينة».