مخيم برج الشمالي الشاهد الشهيد قدّم ضريبة الدم حتى آخر غارة في حرب 2006
هيثم زعيتر - اللواء: مضى 62 عاماً على الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين وطرد وتهجير أهلها الحقيقيين في منتصف العام 1948، حيث لجأ قسم منهم قسراً الى لبنان وعلى عدة دفعات، وتفاوتت طريقة تعاطي الدولة اللبنانية و«الأونروا» بين من يُعترف بهم من لاجئين نزحوا في العام 1948 وصولاً إلى العام 1958، ومن نزح بعد إحتلال قطاع غزة في العام 1967، وكذلك من عُرف بفاقدي الأوراق الثبوتية.. الفلسطينيون في لبنان يتوزعون على مخيماتٍ تسلمت «الأونروا» الإشراف عليها بعد انشائها منتصف العام 1949، فبقي منها 12 مخيماً ودمرت 3 مخيمات، ووجدت تجمعات سكانية جديدة، مع عدم وجود احصاء دقيق عن العدد الحقيقي، وإن كانت إحصاءات «الأونروا» تُشير إلى حوالى 450 ألف نسمة، بعضهم حصل على الجنسية اللبنانية أو جنسيات أجنبية وعلى عدة مراحل، والبعض الآخر لا يحمل أوراقاً ثبوتية أو هاجر إلى خارج لبنان.. الفلسطينيون في لبنان واقعون بين مطرقة مقولة ومشاريع التوطين المتعددة النغمات، وبين آمال العودة غير البادية في الأفق، ويعانون واقع معيشي وإجتماعي صعب، فضلاً عن الواقع الصحي والتعليمي المتردي، وتقليص «الأونروا» لخدماتها، وإكتظاظ ما يُسمى بمساكن على أهلها، وأيضاً في ظل إصرار البعض على التعاطي مع الملف الفلسطيني من الزاوية الأمنية، ووصف المخيمات بـ «الجزر الأمنية».. الفلسطينيون انتظروا كل هذه السنوات «ترياق» رفع الإجحاف عنهم، ولكن فوجئوا بإقتصار اقرار مجلس النواب اللبناني على حق العمل، وعدم السماح لهم العمل بالمهن الحرة، مع استمرار حرمانهم من الحقوق الإنسانية والإجتماعية والمدنية والسياسية، ولم يعد لهم حق تملك شقة التي كان معمولاً بها الى ما قبل 10 سنوات، ورغم ذلك لم يوطن الفلسطيني خلال 50 عاماً، وبالتالي ما زال محروماً من توريثها لأولاده؟ وقد شكل ذلك صدمة لازدواجية تعاطي غالبية أطياف المجتمع اللبناني الممثلة في المجلس النيابي مع الحقوق الفلسطينية، فتتبنى الحقوق خلال اللقاءات المغلقة، وتتخذ مواقف مغايرة لدى اعلان مواقفها، وهو ما أدى الى تسوية سياسية وعدم المعالجة الجذرية كمسألة حقوقية، حيث اعتبر ما أقر.. بين انجاز شكلي وخطوة منقوصة، ولكن على طريق الألف ميل؟ ولكن، لماذا التلطي خلف مقولة أن اقرار الحقوق الفلسطينية يؤدي الى التوطين، علماً بأن مختلف القيادات والقوى الفلسطينية على مختلف مشاربها، أجمعت على أن الفلسطيني لن يُشكل خطراً على لبنان، وترى أن اقرار حقوقه عبر قوانين في مجلس النواب اللبناني، هو المدخل الطبيعي السليم لتحسين العلاقات اللبنانية - الفلسطينية، لأن ذلك يُساعد على الصمود ومواجهة مشاريع التوطين أو التشتيت، أو أن يكون له وطن بديل عن فلسطين، لأنه ضيف مؤقت في لبنان الى حين العودة الى وطنه فلسطين وفقاً للقرار الدولي 194.. وأليس ضمان العيش الكريم للفلسطينيين يُطمئن اللبنانيين، ويواجه محاولات المجموعات الإرهابية المتطرفة التغلغل داخل المخيمات، حيث يستوجب مواجهة هذه المجموعات تعاوناً لبنانياً وفلسطينياً، وتعزيز العلاقات الفلسطينية - الفلسطينية.. «اللـواء» تفتح على حلقات، ملف الحقوق الفلسطينية في لبنان.. وتلقي الأضواء في الحلقة العشرين على واقع مخيم برج الشمالي – قضاء صور.. يقع مخيم برج الشمالي 5 كلم شرقي مدينة صور، الى الجهة الشمالية الشرقية لبلدة برج الشمالي، وأطلقت عليه التسمية نسبة إليها، عندما أنشأته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» في العام 1955 على مساحة 136 دونماً مربعاً، حيث تم نقل عدد كبير من سكان منطقة عنجر أو مخيم الجليل «ويفل» في البقاع، وآخرون وصلوا ووفدوا إليه من تل الزعتر بعد تهجيرهم في العام 1977 إثر الحرب الأهلية اللبنانية. يبلغ عدد سكان المخيم 20 ألف نسمة معظمهم من بلدات وقرى منطقة الجليل في شمالي فلسطين المحتلة، ونصفهم نال الجنسية اللبنانية خلال مرسوم التجنيس الذي صدر في العام 1994، وخصوصاً من الغوارنة، حيث سجلت قيودهم في مدينتي صيدا وصور وبلدتي برج الشمالي والبازورية. وغادر المخيم عدد كبير من أبنائه للإقامة في الجوار أو الى منطقة صيدا، وخصوصاً خلال حرب المخيمات في النصف الثاني من الثمانينيات. يتداخل المخيم مع الجوار، وخصوصاً مع بلدة برج الشمالي، التي يقترع فيها 1200 ناخب، يتمثلون بعضو في المجلس البلدي هو رئيس «مركز أطفال الصمود» محمود الجمعة «أبو وسيم». تنسيق بين الفصائل قدّم مخيم برج الشمالي قافلة من الشهداء في محطات النضال الفلسطيني، وفي مواجهة الإعتداءات الإسرائيلية والصمود بوجهها دعماً للمقاومة اللبنانية. وقد تعرّض خلال عدوان تموز من العام 2006 الى غارة إسرائيلية أدّت الى استشهاد هيثم عدوان وجرح 3 أشخاص، وذلك قبل دقائق من إعلان وقف إطلاق النار صبيحة الإثنين 14 آب 2006. يعمل معظم سكان المخيم بالزراعة الموسمية وأعمال الباطون والبناء، وبسبب قيود العمل المفروضة على الفلسطينيين، فضّل عدد من شباب المخيم السفر الى خارج لبنان، فأضحوا يعيلون عائلاتهم.. عند مدخل المخيم يُطالعك حاجز الجيش اللبناني الذي يُسهّل حركة الخروج والدخول من والى المخيم.. وعلى بعد عشرات الأمتار منه مركز وحاجز لـ «الكفاح المسلّح الفلسطيني» وأعلام فلسطينية ورايات حزبية وصور الشهيد الرئيس ياسر عرفات والرئيس محمود عباس «أبو مازن»، وعلى مقربة منهم صور للشهيد الشيخ أحمد ياسين والشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي وقافلة من قادة الثورة الفلسطينية الشهداء. تتسم العلاقة بين جميع الفصائل والقوى في المخيم بالكثير من التنسيق والتفاهم، وتوّجت مؤخراً بالبدء بعقد لقاءات دورية بين فصائل «منظمة التحرير الفلسطينية» و«تحالف القوى الفلسطينية»، كل اسبوعين، حيث تعقد مداورة في مكتب كل فصيل، وذلك بهدف تأمين الأمن الإجتماعي داخل المخيم لتلافي تكرار ما حصل في مخيم نهر البارد ومواجهة آفة المخدرات. لم تُسجّل في المخيم أحداث أمنية تُذكر، بل أن غالبية الحوادث التي تحصل تكاد توضع في إطار الخلافات الفردية، التي سريعاً ما يتم حلّها أو تسليم مسببيها الى السلطات اللبنانية. ومنها عندما برزت في نهاية العام 2009 ما عُرف بخلية «فتح - الإسلام» في المخيم، حيث جرى تسليم الأسماء المشتبه بهم الى الأجهزة الأمنية اللبنانية، التي أفرجت عن عدد ممن لم يثبت إدانته، وأبقت على من ثبت إدانته، وأُحيل على القضاء العسكري المختص. وكذلك تسليم شخصين من خارج المخيم حاولا الدخول إليه، حيث ضبط بحوزتهما حبوب يستخدمها المدمنون.