يتبادر إلى الأذهان قصة المثل الشعبي "صام صام وفطر على بصلة!"، وبالفعل هذا هو حال اللاجئ الفلسطيني في لبنان الذي أُرغم أن يصوم أكثر من إثنين وستين عاماً عن ممارسة حياته الطبيعية وتمتعه بحقوقه المدنية والاجتماعية أسوةً بباقي البشر، واُرغم أيضاً أن يفطر أخيراً على بصلة اسمها حق العمل المنقوص، وربما تكون البصلة مفيدة للاجئ الفلسطيني أكثر من هذا الحق الذي أفرغه النظام اللبناني من مضمونه ليصبح حقاً بلا حقوق وحقاً أُريد به باطلاً.
هذا الأمر يحيلنا بالضرورة أن ندرس ماهية وخلفيات هذا القانون "إجازة العمل للاجئين الفلسطينيين" الذي صدر عن المجلس النيابي اللبناني بتاريخ 17-8-2010، أي بعد تأجيل وحرمان دام حوالى 22630 يوماً من لجوء الفلسطينيين في لبنان.
إذ إن إقرار هذا القانون جاء بعد حراك سياسي وشعبي فلسطيني في مقدمته حركة المقاومة الإسلامية – حماس، يرافقه تضامن بعض القوى اللبنانية الداعمة لحقوق الفلسطينيين وعلى رأسهم الحزب التقدمي الاشتراكي ممثلاً برئيسه النائب وليد جنبلاط الذي قدم مشروع منح الحقوق المدنية للاجئين الفلسطينيين في المجلس النيابي، في البداية قُوبل المقترح بالرفض الشديد من قبل بعض الكتل النيابية اللبنانية بحجج واهية وغير مقنعة مستخدمين "فزّاعة التوطين" أمام أي حق يُقدّم لصالح اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
ورغم ذلك لم يلق هذا الحراك السياسي والشعبي من قبل بعض الساسة اللبنانيين اهتماماً قوياً، والشعور منهم بالمسؤولية تجاه معاناة ومأساة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان طوال أكثر من ستة عقود من الزمن. وللأسف المسؤولية العنصرية دفعتهم للتمييز أكثر حتى بالقانون الذي أقرّه المجلس النيابي اللبناني لجهة منح اللاجئ الفلسطيني حق العمل، وجاء هذا الحق منقوصاً لا يكاد يلامس الحد الأدنى من مطالب اللاجئين الفلسطينيين.
وبالتالي تم ضرب باقي الحقوق والمقترحات التي قدّمها النائب جنبلاط بعرض الحائط ولم يتم مناقشتها أو البت بقرار تأجيلها، بل المشين أيضاً أن الجلسة النيابية لم تناقش حق اللاجئ الفلسطيني في مزوالة المهن الحرة مثل الطب والصيدلة والمحاماة، والهندسة.
والمحزن أيضاً أن حق التملك، وهو حق أساسي وإنساني أقرّته القوانين الدولية وشرعة حقوق الإنسان، لم يتم التطرق إليه إطلاقاً على الهيئة العامة للمجلس النيابي اللبناني، وتم الاحتفاظ فيه داخل أدراج اللجان المختصة لمزيد من الدراسة بل لمزيد من التهميش والتطنيش.
تعريف بالقانون "حق العمل":
بالنسبة لما أُقر ( وهو تعديل المادة 59 من قانون العمل) فإن هذا التعديل يعطي المستفيد من العمال اللاجئين الفلسطينيين المعاملة بالمثل المنصوص عنها في قانون العمل وقانون الضمان الاجتماعي ويستفيد من تقديمات تعويض نهاية الخدمة بالشروط التي يستفيد فيها العامل اللبناني. وبحسب القانون يتوجب على إدارة الضمان أن تفرد حسابا منفصلا مستقلا لديها للاشتراكات العائدة للعمال الفلسطينيين على أن لا تتحمل خزينة الدولة أو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أي التزام أو موجب مالي تجاههم. ولا يستفيد المشمولون بأحكام هذا القانون من تقديمات صندوق ضمان المرض والأمومة والتقديمات العائلية.
قراءة قانونية وحقوقية لهذا القانون:
*
إن القانون لم يضف أي شيء جديد بالنسبة للعمال الفلسطينيين لإنهم يعملون أصلا، ولكنهم كانوا ينتظرون تقديمات من الضمان الإجتماعي كاملة بما فيها المرض والأمومة والتقديمات العائلية، أما بالنسبة لتعويضات نهاية الخدمة فإنها تقطع من معاش العمال بشكل دوري في نهاية كل شهر.
*
وشرط الحصول على إجازة لا يزال قائما من الناحية العملية وسوف يجعل الفلسيطني كأنه أجنبي عليه أن يجدده كل فترة زمنية، وهو أمر يخضع لقرارات الوزير التي قد تتغير بتغير الظروف السياسية.
*
قد يكون المقترح سيئًا بالنسبة لرب العمل الذي يعمل لديه عمال فلسطينيون من دون عقود عمل، عليه الآن أن يصرح عن العمال الفلسطينيين الذين يعملون لديه.
*
ومع أن ذلك يعتبر خطوة في رحلة طويلة، إلا أن ذلك لم يغير من طبيعة الغبن والظلم اللاحق بالفلسطينيين في لبنان.
*
لم يشر القانون إلى أرباب العمل الفلسطينيين أنفسهم، ولا إلى مشاكلهم، لا سيما ما يتعلق بالمشاريع الإعمارية وهو ما يرتبط أساسا بقانون التملك.
*
القانون ملتبس ويحتاج إلى مراسيم تنظيمية.
*
سوف يشعر الفلسطينيون بسرعة أن القانون لم يضف شيئا جديدا.
*
يأمل الفلسطينيون في لبنان أن يُحدث البرلمان اللبناني نقلة نوعية على صعيد الحقوق لجهة إقرار حقوق بعينها.
*
العمل في المهن الحرة مثل الطب والصيدلة والمحاماة والهندسية، ومساحة المخيمات الفلسطينية الآخذة بالتقلص بسبب الزيادة السكانية، وقانون التملك، وقانون الجمعيات، وحرية التنقل، والمعونة القضائية والشخصية القانونية لفئة من اللاجئين وغيرها من الحقوق، كلها حقوق ينتظر الفلسطينيون بشغف إلى أن تصبح واقعا معاشا.
الخلاصة:
لا شك أن إقرار هذا القانون هو بمثابة خطوة معاكسة ونقيضة لما أجمع عليه اللاجئون الفلسطينييون في مطالبتهم الدولة اللبنانية إقرار الحقوق المدنية والاجتماعية والإقتصادية أسوّةً بأماكن وجود اللاجئين الفلسطينيين في سوريا والأردن.
ويبقى السؤال المستغرب، هل مسألة توفير الحقوق المدنية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في لبنان يتعارض مع حق العودة؟! وبالتالي يبقى اللبناني ينظر إلى اللاجئ الفلسطيني بمثابة عقبة في وجه نمو وإزدهار وطنه بحجة أن منح الحقوق هو مقدمة للتوطين ونسيان حق العودة.
ولكن الحقيقة الأخطر تبقى رهن مشاريع التسوية ورهن جداول أعمال المفاوضات العبثية التي تريد أن تنسف هذا الحق بالمطلق وتقضي على آخر أمل للاجئين الفلسطييين في العودة، بل وآخر أمل في العيش بكرامة لحين العودة.