هيثم زعيتر - اللواء - صيدا:
مضى 62 عاماً على الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين وطرد وتهجير أهلها الحقيقيين في منتصف العام 1948، حيث لجأ قسم منهم قسراً الى لبنان وعلى عدة دفعات، وتفاوتت طريقة تعاطي الدولة اللبنانية و"الأونروا" بين من يُعترف بهم من لاجئين نزحوا في العام 1948 وصولاً إلى العام 1958، ومن نزح بعد إحتلال قطاع غزة في العام 1967، وكذلك من عرف بفاقدي الأوراق الثبوتية..
الفلسطينيون في لبنان يتوزعون على مخيماتٍ تسلمت "الأونروا" الإشراف عليها بعد انشائها منتصف العام 1949، فبقي منها 12 مخيماً ودمرت 3 مخيمات، ووجدت تجمعات سكانية جديدة، مع عدم وجود احصاء دقيق عن العدد الحقيقي، وإن كانت إحصاءات "الأونروا" تُشير إلى حوالى 450 ألف نسمة، بعضهم حصل على الجنسية اللبنانية أو جنسيات أجنبية وعلى عدة مراحل، والبعض الآخر لا يحمل أوراقاً ثبوتية أو هاجر إلى خارج لبنان..
الفلسطينيون في لبنان واقعون بين مطرقة مقولة ومشاريع التوطين المتعددة النغمات، وبين آمال العودة غير البادية في الأفق، ويعانون واقع معيشي وإجتماعي صعب، فضلاً عن الواقع الصحي والتعليمي المتردي، وتقليص "الأونروا" لخدماتها، وإكتظاظ ما يُسمى بمساكن على أهلها، وأيضاً في ظل إصرار البعض على التعاطي مع الملف الفلسطيني من الزاوية الأمنية، ووصف المخيمات بـ "الجزر الأمنية"..
الفلسطينيون انتظروا كل هذه السنوات "ترياق" رفع الإجحاف عنهم، ولكن فوجئوا بإقتصار اقرار مجلس النواب اللبناني على حق العمل، وعدم السماح لهم العمل بالمهن الحرة، مع استمرار حرمانهم من الحقوق الإنسانية والإجتماعية والمدنية والسياسية، ولم يعد لهم حق تملك شقة التي كان معمولاً بها الى ما قبل 10 سنوات، ورغم ذلك لم يوطن الفلسطيني خلال 50 عاماً، وبالتالي ما زال محروماً من توريثها لأولاده؟
وقد شكل ذلك صدمة لازدواجية تعاطي غالبية أطياف المجتمع اللبناني الممثلة في المجلس النيابي مع الحقوق الفلسطينية، فتتبنى الحقوق خلال اللقاءات المغلقة، وتتخذ مواقف مغايرة لدى اعلان مواقفها، وهو ما أدى الى تسوية سياسية وعدم المعالجة الجذرية كمسألة حقوقية، حيث اعتبر ما أقر.. بين انجاز شكلي وخطوة منقوصة، ولكن على طريق الألف ميل؟
ولكن، لماذا التلطي خلف مقولة أنYاقرار الحقوق الفلسطينية يؤدي الى التوطين، علماً بأن مختلف القيادات والقوى الفلسطينية على مختلف مشاربها، أجمعت على أن الفلسطيني لن يُشكل خطراً على لبنان، وترى أن اقرار حقوقه عبر قوانين في مجلس النواب اللبناني، هو المدخل الطبيعي السليم لتحسين العلاقات اللبنانية - الفلسطينية، لأن ذلك يُساعد على الصمود ومواجهة مشاريع التوطين أو التشتيت، أو أن يكون له وطن بديل عن فلسطين، لأنه ضيف مؤقت في لبنان الى حين العودة الى وطنه فلسطين وفقاً للقرار الدولي 194..
أليس ضمان العيش الكريم للفلسطينيين يُطمئن اللبنانيين، ويواجه محاولات المجموعات الإرهابية المتطرفة التغلغل داخل المخيمات، حيث يستوجب مواجهة هذه المجموعات تعاوناً لبنانياً وفلسطينياً، وتعزيز العلاقات الفلسطينية - الفلسطينية..
"اللـواء" تفتح على حلقات، ملف الحقوق الفلسطينية في لبنان.. وتلقي الأضواء في الحلقة السادسة عشر على مخيم المية ومية - شرقي مدينة صيدا..
أمين سر حركة "فتح" وفصائل "منظمة التحرير الفلسطينية" في مخيم المية ومية العقيد فتحي زيدان، أشار الى "أن العلاقة بين فصائل "منظمة التحرير الفلسطينية" جيدة، وهناك تنسيق مع غالبية الفصائل، حيث يتم التنسيق أيضاً مع "الكفاح المسلّح الفلسطيني" و"اللجنة الشعبية" لحل أي إشكال، كما أن العلاقة جيّدة مع بلدية المية ومية لمتابعة القضايا التي تهمّ أبناء شعبنا في المخيم".
وطالب زيدان "الدولة اللبنانية الإسراع بإقرار ما تبقّى من حقوق إجتماعية ومدنية للفلسطينيين الذين يؤكدون مجدداً رفضههم التوطين وتمسّكهم بحق العودة، وكذلك بإقرار قانون التملّك، وأن تعمل وكالة "الأونروا" على تحسين الخدمات، لأنها الشاهد الحي على قضيتنا الفلسطينية، وهي المسؤولة أولاً وأخيراً عن موضوع اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات".
أمين سر "اللجنة الشعبية" في مخيم المية ومية غالب الدنان، رأى "أن الوضع المعيشي والإقتصادي في المخيم مؤلم وخصوصاً الصحي، فعيادة "الأونروا" لا تفتح إلا يومين ونصف اليوم فقط، علماً بأنها خلال ذلك لا تقوم بتغطية كل الحالات المرضية في مخيم الذين يبلغ عددهم حوالى 200 مريض، وهم بحاجة الى دواء شهري، فضلاً عن الأمراض الطارئة، وهذا الواقع يؤدّي الى لجوء أبناء المخيم الى "مستشفى الهمشري" القريب أو الذهاب الى العيادة التابعة لـ "الهلال الأحمر الفلسطيني"، علماً بأن القوى السياسية الأخرى الموجودة في المخيم لم تفتتح مستوصفات أو عيادات".
وأضاف: هناك مدرستان لوكالة "الأونروا"، وبدأنا هذا العام اعتماد مدة الدوام الواحد وليس دوامين صباحي وبعد الظهر، كما هناك روضتان، هما "روضة الشهيدة هدى زيدان" و"روضة براعم الإيمان".
واشتكى من "وجود مساكن بحالة "مزرية"، يبلغ عددها حوالى 120 مسكناً، وهي بحاجة الى ترميم وإعادة تأهيل، و"الأونروا" لا تلي هذه القضية أي اهتمام، ليضاف الى تقصيرها المستمر."
وختم الدنان بالقول: إن أي مشكلة يُمكن أن تواجهنا نحلها بالتوافق مع الجوار من خلال الإتصالات التي تتم، إن كان مع الجيش اللبناني أو بلدية المية ومية أو باقي الأطراف.
* قائد "الكفاح المسلّح الفلسطيني" في مخيم المية ومية المقدّم خالد صقر، أوضح "أن الوضع الأمني داخل المخيم جيّد ولا توجد أية مشاكل بالمعنى الأمني، بل هناك أحداث فردية من قبل بعض الشباب يتم حلّها سريعاً، بالتعاون مع "اللجنة الشعبية" والمعنيين في المخيم، الذين نتواصل معهم جميعاً لحل أي إشكال، ويتم تسليم المتسبب الى الدولة اللبنانية إذا كان هناك مشكلة تتعلق بالأمن اللبناني أو تشكّل خطراً داخل المخيم".
وختم صقر بالقول: إن بعض الإشاعات عن وجود مجموعات إرهابية تتحرّك داخل المخيم لا أساس له من الصحة، بل أن الأمن مستتب بشكل طبيعي.
عضو "اللجنة الشعبية" في مخيم المية ومية وممثل "جبهة النضال الشعبي الفلسطيني" عبد العزيز رشيد علي، اعتبر "أن أبرز المشاكل التي يُعاني منها اللاجئ الفلسطيني هي الطبابة والإستشفاء والعمل، ونحن نعيش داخل المخيم وسط المعاناة جراء تقليص "الأونروا" لمساعداتها الصحية، فهي لا تغطي العلاج الكامل، في وقت ليس بمقدور اللاجئ الفلسطيني أن يُعالج نفسه أو أن يجري صورة أشعة إذا كانت كلفتها 100 ألف ليرة، لهذا يتم تحويله الى عيادة مخيم عين الحلوة، ويتكبد 10 آلاف ليرة للإنتقال، وهو بالكاد يؤمّن قوت يومه إذا ما وجد عملاً".
وطالب "وكالة "الأونروا" تأمين مكنة لتصوير الأشعة في عيادة المية ومية وزيادة عدد الاطباء، لأنه لا يوجد إلا طبيب واحد لكل المخيم، وأن يفتحوا العيادة طوال أيام الأسبوع وليس لأيام معدودة".
ودعا "السلطات اللبنانية الى إقرار الحقوق الإجتماعية والمدنية للفلسطينيين في لبنان، حتى يتمكّنوا من تأمين القوت اليومي والصرف على عائلاتهم، لأن استمرار حرمانهم من ذلك يؤدّي الى مشاكل تنعكس سلباً على العامل الفلسطيني وأسرته".
وختم علي بمناشدة "المسؤولين اللبنانيين الإسراع بمنح العامل الفلسطيني حقه في لبنان، وكذلك المواطن الفلسطيني حتى يتمكن من العيش بكرامة في هذا البلد الذي استضافنا، وفتح قلبه مشكوراً لنا، ولكننا نحن شعب مظلوم في هذا البلد، ونؤكد رفضنا للتوطين وتمسّكنا بحق العودة".
* عضو "اللجنة الشعبية" ومسؤول "الجبهة الديمقراطية" في مخيم المية ومية أبو فادي شرف، ألمح الى "أن معاناة اللاجئ الفلسطيني تكمن في العمل والحقوق المدنية والإجتماعية، وفي المخيم المية ومية تبرز مشكلة الصحة والإستشفاء، فعيادة المخيم لا تفتح كما هو مطلوب، بل حتى في اليومين ونصف اليوم المقرر أن تفتح فيه تتعطّل إذا كان لدى الأطباء إجتماع، أما التحويلات فهي نادرة، وفي غالبيتها تكون الى "مستشفى الهمشري" ولا يتم تغطية كافة العلاج المطلوب، فلهذا نطالب بـتحسين "الأونروا" لخدماتها وخصوصاً في المجال الصحي".
وختم شرف بالإشارة الى أنه "أصبح في العام الماضي دوام واحد في مدرستي عسقلان وصفد، بعدما كان دوامين، وهو أمر جيد بالنسبة للطلاب".
* عضو "اللجنة الشعبية" في المخيم ممثل "حزب الشعب الفلسطيني" تيسير ياسين، اعتبر "أن المخيم يُعاني من جملة مشاكل ومنها: معاناة اللاجئين الفلسطينيين من حيث المسكن والمأكل والعمل، وفي مخيم المية ومية تُضاف إليها إحاطته بشريط شائك حوله وكأنه "حظيرة" أو "محمية"، وهي قضية نُعاني منها، كما أن الدخول والخروج إليه ومنه محصور، وبالتالي هناك صعوبة في البناء لجهة إدخال مواد البناء الى داخل المخيم وتأمينها، وأي تصليح أو إضافة بناء في المخيم بحاجة الى تصريح من الجيش اللبناني".
وأوضح "أن هناك مخيّمين هما "التحتاني الشرقي" و"الروس"، والتحتاني كان يضم حوالى 250 عائلة لكن دمّر وجرف بالكامل إثر الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982، وبعدها نزحت العديد من عائلات المخيم الى مخيميّ عين الحلوة والبداوي، وقسم منهم بقي في المخيم الفوقاني الروس".
وقال: حاولنا في "اللجنة الشعبية" وبمساعدة فصائل "منظمة التحرير الفلسطينية" العمل على إعادة إعمار المخيم التحتاني، ولكن الظروف التي طرأت على المخيمات أجلت إعمار المخيم، وبعد دخول الجيش اللبناني الى منطقة شرق صيدا في العام 1991 لم يعد بمقدورنا إعادة إعماره.
وناشد ياسين "الدولة اللبنانية أن تفرج قليلاً عن المخيم، لأننا شعب يجب أن نُعامل كبشر دون القيود والإجراءات التي تحيط بالمخيم".
ننتقل الى "روضة الشهيدة هدى زيدان" التابعة لـ "الإتحاد العام للمرأة الفلسطينية" - فرع لبنان، حيث يلقى الأطفال كل اهتمام، فأوضحت المشرفة على الروضة ندى مصرية "أن الروضة تضم أكثر من 100 طفل موزعين على 6 صفوف، والأطفال وكما هو معروف معرّضون دائماً لحالات مرضية، ومنها بعض الحالات الوراثية مثل: الربو وضعف النظر، وهناك بعض الأطفال المصابين بمرض التلاسيميا".
وأشارت مصرية الى "أن غالبية الأطفال هم من داخل المخيم، ومنهم من يقيم خارجه في سيروب والفيلات وبينهم طلاب لبنانيون، ولكن نُعاني من قلّة التجهيزات التربوية مثل المكاتب الجديدة وألعاب الأطفال التي هي بحاجة الى تجديد دائم، لأنه ليس لدينا أي دعم، فنحن نتبع الى "الإتحاد العام للمرأة الفلسطينية"، والأقساط هي رمزية ولا تذكر".
* خلال تجوالنا في المخيم، نلتقي محمد شريف الحلاق "أبو الوليد" (74 عاماً، الذي استعاد ذكرياته في فلسطين، التي خرج منها وهو في سن الـ 12)، فقال: إن الفلسطيني يُعاني من بعض المشاكل، ويبقى لاجئاً إن كان في لبنان أو خارجه، فهو ليس لديه وطن، ورغم ذلك فهو متمسّك بالعودة ويرفض التوطين.
وطالب الحلاق "الدولة اللبنانية بتحسين وضع اللاجئين عبر إقرار حقوقهم الى حين عودتهم الى وطنهم، وكذلك "الأونروا" تحسين خدماتها، فهي لا تغطي الكثير من الخدمات التي قامت بتقليصها".
* المواطن وسام شهاب، اشتكى بأسى من "أن الفلسطيني يُعاني في لبنان من العيش بكرامة، والتحرك بحرية، فحقوقه لم ينالها لا من الدولة اللبنانية ولا من "الأونروا" التي قلّصت خدماتها وخصوصاً في المجال الطبي".
وأشار الى "أن المريض إذا ما احتاج الى تحويل ليُعالج، ليس من حالة طارئة، فيحتاج الى عدة أسابيع للحصول على التحويل، ويقولون له إن سرير المستشفى علينا ولكن الطبابة عليك، ولهذا فمطلوب من "الأونروا" تحسين تقديماتها الطبية".
ودعا شهاب "الدولة اللبنانية الى إقرار حقوقنا المدنية، لأن كل شعوب العالم لديها حقوق إلا الشعب الفلسطيني، الذي يأمل العودة الى بلاده، ويرفض التوطين الذي يتذرع به البعض للهروب من منحنا حقوقنا الاجتماعية".