م.محمود سمير الرنتيسي
تظهر الإدارة الأمريكية في الآونة الأخيرة وكأنها تمارس ضغطا هائلا على الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي من أجل استمرار المفاوضات المباشرة التي لاتصب إلا في مصلحة الكيان الغاصب وقد اتضح شيء من هذا في خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي ألقاه قبل أيام أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة والذي حث فيه على تحقيق " السلام" ملوحا بخطورة البديل في حال عدم تحقق الاتفاق" ويضيف أوباما "إذا لم يتحقق اتفاق فإن الفلسطينيين لن يشعروا أبدا بالعزة والكرامة اللتين تأتيان مع دولة خاصة بهم" وبالنظر السريع لهذه العبارة التي توحي بالضبابية وتقرب الفارق بين احتمالية الاتفاق وعدمه فإن السؤال في عبارة أوباما شديدة التأكيد(الفلسطينيون لن يشعروا أبدا) التي هي عند أهل اللغة ذات ثلاثة مؤكدات بأداة النفي والفعل المضارع الذي يفيد الاستمرار ولفظة أبدا , السؤال من يقصد اوباما بالفلسطينيين ؟ أهم هؤلاء الذين يصبرون على مأساتهم منذ النكبة ويقاومون بالكف مخارز الاحتلال ويتجرعون مرارة الأسر والقصف والهدم والتهجير والحصار أيقصد المصلين كل جمعة في القدس بين الجنود أم المرابطين على الثغور والحدود ؟أيقصد الذين تعرضوا لقذائف الفسفور أيقصد الذين رسموا طريقهم في الانتخابات التشريعية الأخيرة بالوسائل الديمقراطية أم الذين تتجول القوات الخاصة الاسرائيلية معربدة في طرقهم لتنغص عليهم حياتهم وتغتال قادتهم وليس ما حدث في طولكرم قبل أيام عنا ببعيد من اغتيال للشهيد أياد شلباية في بيته إذا كان المقصود هؤلاء على حد قول أوباما فإنهم لن يشعروا بالكرامة إلا بوجود دولتهم الخاصة ,والحديث ببساطة أن هؤلاء يشعرون في طريقهم المكتظ بالتضحيات والحافل بالبذل والعطاء سواء كانوا في الوطن أو الشتات يشعرون ويتنفسون بل ويخطون بالعزة والكرامة والمجد كل خطوة في طريق التحرير سواء تحققت أهدافهم قريبا أم بعيدا لا يرضون بالكذب والزور والبهتان. أما إن كان أوباما يقصد بالفلسطينيين (الوفد المفاوض) الذي تجاوز أكثر من 17 عاما في مضمار التفاوض مع الاحتلال وتشرب من خيبة الأمل في كل طريق مسدود يصل إليه حتى انتفش وانتفخ ولم يحقق إلا مطالب الاحتلال بالتنسيق الأمني وبعض الفتات دون أن يفي الاحتلال بتعهداته أو التزاماته وهؤلاء أيضا لن يشعروا بكرامة أوباما أو العزة التي يتحدث عنها حتى ولو تحققت وولدت الدولة الخاصة بهم لأنها ستولد من رحم الاحتلال وبحضانة الولايات الأمريكية والولد ينزع ألى أبيه أو أمه إن كتبت له الحياة بتقديم أضعاف ما قدم من التنازلات.
وترى ما هي الدولة الخاصة التي يتحدث اوباما عنها أهي تلك التى خطط لها في أوسلو ورفضها ياسر عرفات في كامب ديفيد أم أقل ترى أهي رؤية بوش أم لم تصل لتسمى رؤية أم تلك التي عرضها أولمرت في أنابوليس أم التي يطرحها نتنياهو ولو جمد الاستيطان حول الكتل التي تبتلع الضفة وتسيطر على المياه وتحول الوطن المرتقب إلى كنتونات وتقطع أوصاله تقطيعا.
الدولة التي يريدها الصهاينة ويؤيدها الراعي الأمريكي دولة مجردة من السلاح لا يحق لها ، تتحالف مع أحد على حدودها وفي أجواءها يسيطر الجيش الصهيوني وفي سياساتها الأمنية العليا يتحكم هذا دون الحديث عن مبادلة الأراضي واللاجئين أو القدس !
ما زال أبو مازن في هذه الأثناء يطوف على الجاليات اليهودية وقد قال قبل يومين للجالية اليهودية في فرنسا "سأواصل لقاءاتي بالجاليات لأنني مقتنع أن الذي يصنع(السلام)هم الشعوب وليس القيادات" فهل شعبنا يريد مثل هذا (السلام)؟.
قال أوباما :" بعد ستين سنة في أسرة الأمم لا يمكن لوجود اسرائيل أن يكون موضع جدال"عبارة لو دققنا فيها كفلسطينيين لا نتنازل عن شبر من ترابها تكون صحيحة 100% فوجود اسرائيل بعد أي عدد من السنوات لن يكون موضع جدال فهو وجود اغتصابي غير مشروع ولا مقبول في أي شرع وحقنا لا يسقط بالتقادم وبعد السنين ويضيف أوباما "اسرائيل دولة سيادية والوطن التاريخي للشعب اليهودي يجب أن يكون واضحا" وكل محاولة للتقليل من شرعية اسرائيل سيكون الرد عليها بمقاومة لا تتزعزع من جانب الولايات المتحدة " فترى ما هو نوع المقاومة هل هي شعبية سلمية أم ماذا ؟
رغم كل هذا لم يكن الوفد الصهيوني حاضرا في الجمعية العمومية رغم كل ما قاله أوباما فعزاه البعض إلى التوتر الأمريكي الصهيوني في موضوع تجميد الاستيطان والبعض قال بأنهم تغيبوا لتفسير آخر هو عيد العرش ويكمل قادة الاستيطان من الصهاينة مسرحية من نوع اخر فيقولون أن أوباما لم يكن وسطيا عندما دعم أبا مازن في "تهديده الابتزازي بالانسحاب من المفاوضات في حين لم يمدد تجميد الاستيطان مع أن أوباما قال بعظمة لسانه "إن كل محاولات الفلسطينيين لتهديد الاسرائيلييين لن تجدي نفعا وذبح الاسرائيليين الأبرياء ليس مقاومة بل ظلم"
فأي كرامة وعزة سوف تتحقق من دولة أوباما الموعودة وهذه أقواله وأفعاله تشهد بانحيازه وزيغه وفي التاريخ آلاف العبر وقد ضل قوم ليس يدرون الخبر.