البلد | محمد دهشة
تغيب مظاهر عيد الفطر المبارك عن أسواق عين الحلوة قسرا.. تقف عند أعتاب معظم منازل ابنائه الذين يترنحون تحت وطأة الفقر والجوع والعوز منذ عقود طويلة.. يرددون بمرارة العبارة الشهيرة "عيد بأي حال عدت يا عيد" في وصف حزين لحالهم حيث يستقبلون العيد بجيوب فارغة وأفواه جائعة وبطون خاوية.
تدور عجلة البيع في سوق الخضار وسط المخيم الذي يعتبر "باروميتر" أوضاع الناس بتثاقل، فإرتفاع الاسعار والغلاء وانعدام القدرة على تأمين احتياجات العيد من لحوم والبسة وحلوى والعاب للاطفال وقبلها انعدام فرص العمل وارتفاع نسبة البطالة كلها عوامل جعلت من السوق "حركة بلا بركة"، يرسم "بانوراما" المعاناة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في المخيمات منذ 62 عاما حيث يعانون من الفقر المدقع في ظل حرمانهم من الحقوق المدنية والاجتماعية والمدنية.
وقد ساهم عاملان آخران في هذا الركود: الاول كان يعول عليه أن يجر العجلة قدما الى الامام، وهو عدم دفع رواتب عناصر حركة "فتح" وفصائل "منظمة التحرير الفلسطينية" كما كان يتوقع وهو عادة ينشط السوق ويعيد الى الحركة التجارية توازنها، والثاني تزامن العيد مع بدء العام الدراسي الجديد مباشرة وما يتطلب ذلك من مصاريف ونفقات مالية اضافية، فرغم ان مدارس وكالة "الاونروا" مجانية يجد الكثير انفسهم مضطرين الى اللجوء الى المدارس الرسمية ورسومها وشراء كتبها او المدارس الخاصة ولهيب اقساطها، وقبلهما تفشي مرض "رمد العيون" ما زاد في رتابة المشهد اليومي رغم ان الناس تحرص على الاحتفال بعيد الفطر بما تيسر لها بعد صيام شهر رمضان المبارك.
ويتساءل أبو علي الخطيب من بلدة رأس الاحمر بحرقة هل كتب على الفلسطيني الشقاء والحزن طوال العمر وان لا يدخل الى منزله الفرح أبدا.. في إشارة الى ضنك العيش وعدم قدرة الناس على شراء ما تحتاج اليه في العيد"، قبل ان يضيف "رغم ذلك نصر على الفرح ورسم الوان الحياة الى ان تتحقق العودة عندها العيد الحقيقي لنا".
بطالة ومداورة
وتشير الاحصاءات الفلسطينية المختلفة على أن نسبة البطالة وصلت الى حدها الاقصى ولامست 70%، فيما الذين يعملون يتقاضون الحد الادنى للاجور ويتراوح بين 350 ـ 400 ألف ليرة لبنانية دون أي ضمان صحي أو إجتماعي أو تعويض نهاية الخدمة وغالبيتهم يعملون مياومين أو في مواسم معينة فقط.
ويقول محمود شبايطة من بلدة حطين "ان الحال لم يعد يطاق، لم يعد احد يسمع آهات الفقراء أو يكترث لنداء المحتاجين، لقد وصل الأمر الى حد نسيان الكمليات على انواعها واقتصار شراء الناس على الضروريات فقط"، قبل ان يردف "بات رب الاسرة في العائلة الواحدة يوزع الشراء بين اولاده مداورة في عيدي الفطر والاضحى، بمعنى يشتري الثياب الجديدة لعدد من ابنائه وليس كلهم، الصغير قبل الكبير نتيجة الاوضاع الاقتصادية السيئة، فهل يعقل هذا..
شظف.. وعمل
ورغم الاوضاع المأساوية وهي يومية في الاصل وتزداد في المناسبات والاعياد، الا ان ابناء المخيم يحافظون على عادات وتقاليد العيد، يصنعون كعك العيد بالتمر ويتبادلون الزيارات والتهاني، ويتسوقون بما تيسر لهم من سوق الخضار الوحيد، حيث تنتشر عشرات البسطات الى جانب المحال التجارية الضيقة وتباع الحلوى والثياب واللحوم وحتى الالعاب بأسعار أرخص من أسواق مدينة صيدا ومنطقتها.
ويقول الحاج علي قاسم من بلدة طيطبا وهو رب أسرة مؤلفة من خمسة أولاد وبنات "انها ايام عجاف، ولولا الافطار بعد صيام وتقبل التهاني والتزاور بين الناس لكان العيد يمر علينا وكأنه يوم عادي"، في اشارة الى عدم قدرة الناس على شراء كل احتياجاتهم في ظل الاوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة.
ويعتبر أمين سر "لجنة المتابعة الفلسطينية" عبد مقدح "ابو بسام" ان منح الشعب الفلسطيني حقوقه المدنية والاجتماعية والانسانية هي المدخل الصحيح لتخفيف هذه المعاناة، فالسماح بالعمل لا يعني التوطين سيما وان الفلسطيني يصرف أمواله حيث يعيش في لبنان، داعيا المجتمع الدولي الى تحمل مسؤولياته والضغط على اسرائيل لتنفيذ القرار 194، فالفلسطيني تحمل شظف العيش والمعاناة لانه متمسك بحق العودة.
وحدهم الاطفال يشكلون الاستثناء في بهجة العيد ويجعلون من اصواتهم صدى الامل والفرح، حيث يقول الطفل احمد بليبل "إنني انتظر العيد بفارغ الصبر كي اقصد الملاهي والعب مع رفاقي بعدما عملت خلال عطلة الصيف وجمعت مبلغا من المال كي اعيد به قبل الدخول الى المدرسة".