موقف أمريكي جديد تجاه القضية الفلسطينية

https://fbcdn-profile-a.akamaihd.net/hprofile-ak-prn1/t1/c62.22.276.276/s160x160/601792_135371836658154_1025851428_n.jpg

د. يوسف نور عوض
لا يجادل أحد في أن الولايات المتحدة ظلت ـ دائما- هي السند الرئيسي الذي يدعم دولة إسرائيل، ولم تكن الولايات المتحدة تهتم كثيرا – في ذلك- بالرأي العام الدولي المساند للقضية الفلسطينية، وكان ذلك من ناحية أخرى، سببا مهما في تأخير إيجاد حل للقضية الفلسطينية، لكن تغيرا مذهلا حدث في الآونة الأخيرة وخاصة في هذه المرحلة من حكم الرئيس: ‘باراك أوباما’، ولا يعني هذا التغير أن الولايات المتحدة توقفت عن مساندة دولة إسرائيل، بل يعني أنها بدأت تتبنى كثيرا من المواقف والآراء التي لم يجرؤ رؤساء أمريكيون سابقون على تبنيها أو البوح بها.

وظهرت هذه المواقف خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي ‘نتنياهو’ إلى الولايات المتحدة، حيث طلب الرئيس ‘أوباما’ منه مساندة الإطار الذي وضعته الولايات المتحدة لأجل تحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وقد شدد الرئيس ‘أوباما’ أن على إسرائيل أن تتخذ قرارا صعبا من أجل قيام دولة فلسطينية مستقلة. كما أكد أنه يعلم صعوبة هذا القرار ولكن الأمر في مجمله يحتاج إلى ضرب من التنازل من الجانبين حتى يتحقق السلام.

وفي الوقت ذاته حاول ‘أوباما’ أن يطمئن رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه لن يسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي، و يطمئن الإسرائيليين بأن تغير موقف الولايات المتحدة بالنسبة للقضية الفلسطينية لا يعني توقف مساندتها لدولة إسرائيل.

لكن هذا الموقف المتغير لا يبدو أنه قد أحدث زلزلة في مواقف الإسرائيليين الأساسية، إذ ما زال رئيس الوزراء الإسرائيلي يطالب بأن يعترف الفلسطينيون بدولة إسرائيل دولة يهودية، والهدف من ذلك هو التنازل عن كل الحقوق الفلسطينية، وذلك بالطبع قبل أن تظهر إسرائيل أي نوايا حقيقية تجاه حل القضية الفلسطينية من خلال مفهوم الدولتين.

وتأتي هذه التطورات الأخيرة بعد أن حدد وزير الخارجية الأمريكي نهاية شهر نيسان/إبريل المقبل موعدا من أجل التوصل إلى اتفاق ينهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهذا توجه لم يحدث مطلقا في سياسات الولايات المتحدة الداعمة لإسرائيل.خاصة أنه يطالب بأن ترسم الحدود بين دولة إسرائيل والدولة الفلسطينية الجديدة ومعالجة أمر اللاجئين والفصل في قضية الخلاف حول القدس، ويلاحظ أن إصرار دولة إسرائيل على ضرورة الاعتراف بها دولة يهودية يستهدف في أساسه تقويض كل تلك الأمور التي يساندها الأمريكيون في الوقت الحاضر بحسب السياسات المعلنة والتي يبدو أن الرئيس ‘أوباما’ يؤمن بها تماما، وهو يقول إذا لم تؤمن إسرائيل بها فإن عليها أن تعلن البديل الذي ينهي مشكلة الخلاف مع الفلسطينيين، ولكن ذلك لا يبدو موضوعا يِشغل ذهن ‘نتنياهو’ الذي قال قبل المغادرة إلى واِشنطن إنه لن يرضخ للضغوط التي تمارسها عليه الولايات المتحدة أو يمارسها عليه المجتمع الدولي، وعلى الرغم من ذلك فهو يقول إنه يريد صفقة، ولكن يجب أن تكون صفقة حسنة، دون أن يوضح ما الصفقة التي يريدها ؟.

وقد لوحظ أنه خلال مؤتمر صحافي قصير حاول الطرفان الأمريكي والإسرائيلي تفادي وجود خلاف في وجهات النظر بينهما، لكنه في الحقيقة خلاف يتنامى بسبب ما ذكره ‘نتنياهو’ من أن الشعب الإسرائيلي يتوقع منه مواقف صلبة في مواجهة أية ضغوط تتعرض لها دولة ٍإسرائيل، وهي ذات المواقف التي جعلت مرتكزات الطرفين لا تتغير بعد ثلاث ساعات من المباحثات في البيت الأبيض، ويلاحظ أن الموقف الأمريكي يتوافق مع موقف دولي بدأ يتشكل ضد المواقف الإسرائيلية الرافضة لأي تسوية مع الفلسطينيين والتذرع بأسباب لم تعد مقنعة لأحد خاصة أن الإسرائيليين يصرون على أن العقبات الحقيقية في طريق التسوية يصنعها الفلسطينيون من دون أن يوضحوا كيفية ذلك.

ويقابل الموقف الأمريكي موقف إسرائيلي متشدد يعبر عنه ‘نتنياهو’ الذي يقول إن واجبه هو أن يعمل ما في وسعه من أجل حماية ما سماها الدولة اليهودية وهي بكل تأكيد الدولة التي لا تقبل في داخلها غير اليهود، بمعنى أنه لن يكون للفلسطينيين أي حقوق فيها.

ويبدو هذا التوجه متعارضا في جوهره مع المحاولات التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي ‘جون كيري’ من أجل التوصل إلى اتفاقية سلام بين الطرفين

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد عارض بشدة التهديد الأمريكي بتوتر العلاقات مع إسرائيل في حال رفضت إسرائيل مقترحات السلام التي طالبت بها الولايات المتحدة واستمرت في بناء المستوطنات . ولكن الإسرائيليين يخشون في الوقت ذاته احتمال أن تؤدي المعارضة الإسرائيلية لمشاريع السلام إلى مقاطعات دولية وتأزم في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية.

ويتطلع الإسرائيليون إلى موقف مساند وقوي في مؤتمر ‘الآيباك’، وهو المؤتمر الذي يوفر دعما للدولة الإسرائيلية في داخل الولايات المتحدة.

ومن الغريب أنه على الرغم من تغير الموقف الأمريكي تجاه إسرائيل في ما يخص القضية الفلسطينية فإن ‘نتنياهو’ أخبر الرئيس ‘أوباما’ أن أفضل وسيلة لتحقيق السلام هي أن تكون قويا، ويعني ذلك أن تكون قادرا على عدم تقديم التنازلات والإصرار على مواقفك القديمة على الرغم من رفض المجتمع الدولي لذلك.

ويبدو واضحا أنه لن يحدث انفراج في موقف الإسرائيليين بعد هذه المواقف المتشددة من ‘نتنياهو’ ولا يعرف أحد ما الذي ستحققه زيارة الرئيس ‘محمود عباس′ إلى الولايات المتحدة في السابع عشر من الشهر الجاري، لأن الذي كان مخططا من قبل كما يبدو هو أن يتوصل الأمريكيون إلى تفاهم مع الإسرائيليين ثم ينقلوا ذلك إلى الرئيس ‘عباس′ الذي تلقى مواقفه قبولا من جانب الإدارة الأمريكية، ولكن ذلك لا يبدو أنه سيتحقق في هذه المرحلة خاصة بعد أن ظهرت مواقف ‘نتنياهو’ المتشددة.

وكما يبدو فإن الإسرائيليين لا يريدون أي تفاهم مع الفلسطينيين، وهم على غير استعداد لأن يقدموا التنازلات التي لا يرونها ضرورية بل يرون أن القوة وحدها هي التي ستؤمن وجود إسرائيل، ولكن هل المسألة تنتهي عند وجود إسرائيل؟ بكل تأكيد لا، لأن المشكلة التي تواجهها إسرائيل لا تتوقف عند السلامة العسكرية وحدها، بل تتجاوز ذلك إلى مصير الشعب الفلسطيني بأسره فهل تتوقع إسرائيل أن يرحل الفلسطينيون إلى أرض أخرى ويتركوا ديارهم للإسرائيليين؟

إن ذلك لن يحدث، ولن تكون هناك دولة حتى في العالم العربي تقبل أن تنزع أراضي الفلسطينيين منهم ويرحل الشعب الفلسطيني إليها، وذلك ما يتطلب أن يتحلى الإسرائيليون في هذه المرحلة بالحكمة من أجل التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية، خاصة وهم يرون في هذه المرحلة أن أكبر حليف لهم وهي الولايات المتحدة بدأت تطالب للفلسطينيين بحقوقهم، ولا شك أن الولايات المتحدة بدأت تقرأ قراءة صحيحة التحولات الجارية في منطقة الشرق الأوسط والتي تنذر بأن هذه المنطقة لن تكون في المستقبل القريب كما كانت في الماضي، وذلك ما يستوجب أن يتعامل معها العالم الخارجي بأسلوب يختلف عما درج عليه في الماضي.

المصدر: القدس العربي
تاريخ الاضافة: 06-03-2014
طباعة