أبو أديب عمايري: لا عودة إلا بوحدة الشعب الفلسطيني

ماهر الشاويش/ دمشق
«يا سلالة الفاتح، يا أبناء العرب الكرام، إن عدوكم عدو يضمر لدياركم الدمار ولبلاد العرب الخراب ولحريتكم القتل ولمدنيتكم الفناء. أطلقوا رصاص بنادقكم وصوبوا فوّهات مدافعكم ولا تخشوه».
هذه مقتطفات من خطبة طويلة ألقاها الحاج أبو أديب عمايري في حضرة القائد عبد الله الأصبح ابن قريته «الجاعونة»، أمام جمع من المقاتلين خلال ثورة 1936، وكان يومها في الرابعة عشرة من عمره. وهو قادر على قولها باللغة الإنكليزية التي يتقنها جيداً.

يقول الحاج أبو أديب: «كنت أصغر الحضور في ذلك الموقف، وأنا فخور بلقائي بالقائد الأصبح، ذلك الرجل الذي كان يكتفي بأكل البرغل واللبن فقط. وقد نزل مع رجاله قرية سعسع، وكان مريضاً فمكث في سعسع وذهب رجاله إلى جبل الجرمق فتمركزوا وناموا هناك. ولما علم الإنكليز بوجود الثوار، هاجموا جبل الجرمق واندلعت «معركة الجرمق» الشهيرة. سمع عبد الله الأصبح أصوات الاشتباكات فرفض الإذعان لأهل سعسع والبقاء فيها، فقد كان مريضاً طريح الفراش، لكن كيف يترك ساحات الوغى ورجاله يستشهدون هناك. ركب فرسه ومضى إلى جبل الجرمق. ولم يعد منه إلا شهيداً».

يتابع الحاج عمايري بالقول إنه يعود الفضل للشهيد الأصبح في تأسيس الكشاف في قرية الجاعونة، رغم أنه كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب. وأذكر أننا أدّينا مسرحية بعنوان «شهامة العرب» أمام حرس الحدود آنذاك، وجمعنا من ريعها 67 جنيهاً فلسطينياً للعمل الكشفي.

قصة مستعمرة روشبينا
«روشبينا» كلمة عبرية تعني رأس البناء، وهي أول مستعمرة في منطقتنا، وجرى ذلك بمكر اليهود وخداعهم وبحيلة انطلت على قائمّقام صفد، الذي استجاب لطلبهم وأعطاهم شوادر للسكن في جبل كنعان، وتقع قريتنا الجاعونة على سفحه. وكان ذلك على أساس أن يمكثوا في الشوادر لمدة شهرين كسياحة، ثم طلبوا بعد ذلك تمديد السياحة لمدة سنة، استغلّوها في بناء بيوت من حجر بدل الشوادر، بحجة أن مياه الأمطار تنفذ إليهم عبر الشوادر، لكنهم ما لبثوا أن توسعوا في البناء حيث بدأوا يستقبلون أقارب لهم من الولايات المتحدة الأمريكية. بالمناسبة، صحيح أنهم استخدموا الحيلة والمكر في ذلك، لكنني لا أبرئ قائمقام صفد من التواطؤ معهم، ولا سيما أن الإنكليز قدموا لهم مساعدات كبيرة وأمدّوهم بمؤن وبرجال حراسة.

يضيف الحاج أبو أديب قائلاً: «أرضنا كانت في وسط تجمع اليهود، وقد جاؤوا إلى والدي وقالوا له: نريد أن نبني مستشفى للعرب ليتعالجوا مجاناً، فما رأيك في أن تبيعنا أرضك؟ لكن والدي رفض بشدة. ثم أرسلوا له وفداً آخر، وهذه المرة بزعم أنهم يريدون بناء مدرسة، وأيضاً كرر والدي رفضه.

بعد ذلك اعتقل الإنكليز جدي وعمي لأنهما رفضا أيضاً بيع المياه لليهود الذين عرضوا علينا إيصال المياه إلى بيوتنا. وبعد اعتقالهما لمدة عام أرسلوا لجدي شخصاً إلى السجن ليقنعه بالبيع، لكنه رفض فمددوا له الاعتقال عاماً آخر. ثم دبّروا له مكيدة وهو في السجن، حيث أحرق أحدهم معدات وآلات كانت تستخدم في مشاريعهم، واتهموا جدي بالتحريض على ذلك، وأخذوا منه الأرض والمياه عنوةً مقابل تلك المعدات».

تفاصيل الخروج من القرية
خرجنا من القرية بسبب شحّ السلاح، فلم يكن لدينا سلاح يكفي للمواجهة أكثر من يوم واحد، والسبب الآخر لخروجنا ما سمعناه في الإذاعة عن مجزرة دير ياسين، وما قرأناه في صحيفة الدفاع عن هول تلك المجزرة.

وقد أرسل أهالي القرية وفداً إلى أديب الشيشكلي ليدعمنا في الصمود والبقاء في القرية، لكنه ترك الأمر لنا متذرعاً بأن هذا شأننا ومن أراد الخروج فليخرج. ونتيجة لموقفه هذا، قررنا أن نغادر مؤقتاً لأقرب نقطة من القرية، وكانت قرية علما، وقد مكثنا فيها عشرة أيام، وكنت أعود يومياً إلى القرية خلال هذه العشرة أيام، ولا سيما أننا تركنا كل شيء في بيتنا، لكننا فوجئنا بمغادرة جيش الإنقاذ، فقد سبقنا ووصل قبلنا إلى لبنان. لذلك تابعنا المسير إلى المغار ثم القباعة فالعموقة وصلحا ومنها إلى عيترون التي بتنا فيها ليلة واحدة بضيافة مختارها، ومنها انتقلنا إلى بيروت.

من بيروت أقلّتنا الباصات إلى دمشق وتوجهنا بعدها إلى القنيطرة، على أساس أنها الأقرب إلى فلسطين، واستقررنا في منطقة «جباتا الخشب» نحو خمس سنوات، ثم انتقلنا بعدها إلى منطقة زاكية، وبعد سنة ونصف سكنّا في حارة الأكراد في ركن الدين، ليستقر بنا الحال في مخيم اليرموك في عام 1956.

يتنهد الحاج أبو أديب عبد الله شحادة سعيد عمايري وهو في العقد التاسع من عمره ليختم كلامه بالقول: «لم ولن نفرط بذرة من تراب قريتنا، ولا حتى بقطرة ماء من مياهها، ولا بد من أننا عائدون».
تاريخ الاضافة: 22-04-2012
طباعة