« لقاء مع الأديب المقدسي سمير الجندي »










في حديث أقرب "للبوح" استعاد الأديب المقدسي سمير الجندي ذكريات الطفولة وتجذر أحداثها في الوعي واللاوعي  قائلا: ولدت في القدس بعد النكبة بعشر سنوات، وكانت نشأتي في المدينة العتيقة، والتي احتضنتني حاراتها، وأزقتها، ومحرابها. درست في المدرسة "العمرية"، واعتنقت العشق المرسوم على جدرانها، وقناطرها، وأفيائها.. تعلمت حبها من خلال ملامستي اليومية لحجارته. عشقت أذان مسجدها الذي لم يبعد عن بيتي دقيقتين سيرًا على الأقدام، وحفرت ذلك الصوت في وجداني، كما حفرت عتبات منازلها التي تحتضن التاريخ وتذكّرنا بمن مرَّ فيها. أحفظها عن ظهر قلب كملحمة كلاسيكية اختيرت كلماتها على يد القدر..

وبإحساس الأديب المغرق في الرهافة والشفافية كشف عن تلك العلاقة الصوفية التي تربطه بالمدينة المقدسة "القدس تتقمصني، وتعيش بين حروف القصيد، وتسكن في الشعور واللاشعور، وتتربع على عصف أفكاري المتنامية. هي محور حياتي، وأنا لا أستطيع العيش دون جرعاتي اليومية التي تمدني بها، فأنا لم أغادرها كما لم تغادرني".

والقاص والروائي سمير الجندي، مواليد 1958. حاصل على ماجستير لغة عربية في النقد الحديث . وهو أحد أعضاء ومؤسسي ندوة اليوم السابع – المسرح الوطني الفلسطيني.
صدر له:مجموعتان قصصيتان "الطوفان" و"نبضات". ورواية "خلود".
حصل على العديد من ال جوائز التقديرية ومنها جائزة أفضل نصوص أدبية لكتابه "نبضات" في مهرجان القدس زهرة المدائن.
ويضيف في سيرته الذاتية: أغلى ما أملك: حبي للقدس ومكتبتي الشخصية التي يتجاوز عدد الكتب فيها 5000 كتاب.

* ما الذي شدك إلى القصة القصيرة جدا.. وبرأيك ما هي السمات التي يجب أن تحملها هذه القصة كي توصل ما تريد.. لاسيما وأنها تختصر المكان والسرد إلى أبعد الحدود ؟
** القصة القصيرة جدًّا، جنس أدبي، يتماشى جنبًا إلى جنب مع حياتنا المتسرعة كالوجبة السريعة كاملة العناصر، وكذلك القصة القصيرة جدًّا؛ هي كاملة العناصر، إضافة إلى أن لغتها من نوع خاص، يختلف عن الأجناس الأدبية الأخرى، إذ أن لغتها مكثفة، ومفرداتها عميقة، يحتاج القارئ إلى التركيز جيدًا عند قراءتها، فهي مثل الرسم الكاريكاتوري.
هي أحيانًا ومضة تشعشع في المكان بكلمات تتلاءم تلاؤمًا تامًّا مع المعنى، وأحيانًا هي نبضة تضخ الدم في أوصال الحروف. هي نسمة تلطف حرارة الأفكار، وتحمل في أبعادها رؤيا فلسفية، فالإنسان في هذا الزمن تحوّل إلى آلة رقمية، فابتعد عن القيم الإنسانية التي تناقض ماديات العصر الحالي، فلم يعد ضميره نقيًّا، ولم تعد روحه صافية، لأن الفلسفة الغربية السائدة، هي التي زُرعت في حياتنا رغمًا عنّا، فالمشروع الغربي أطاح بمقومات حياتنا، وبمثلنا الشرقية، فالقصة القصيرة جدًّا، تساهم في انتشال الإنسان من سأمه القاتل، فتنعشه أحيانًا، وتضحكه بسخريتها في طرح الأفكار، وتفاجئه بنهاياتها، ناهيك عن سرعة التحولات في لغتها، وهي من أهم مميزاتها خصوصًا عندما يتعانق الوعي واللا وعي لدى الكاتب في إخراج نص مترامي الأبعاد، لدرجة أنني أحيانًا أطلق على نص من نصوصي قصة طويلة جدًّا على الرغم من أن عدد كلماتها لا تزيد عن عدد أصابع اليدين.

* أنت معروف بكتاباتك القصصية, فلماذا تحولت إلى الرواية .. وأين وجدت نفسك ؟!
** أنا لم أتحول إلى الرواية، أو العكس، فالكتابة شيء مهم في حياتي، إنني أعبر عن مكنون أفكاري، وأحاسيسي، وما تراه عيني يوم يوم، فأكتب القصة القصيرة التي هي أقل فضاءً من الرواية، وأضيق منها اتساعًا، لكن الرواية بناء هندسي متكامل، يحتاج إلى تخطيط محكم، وأساسات، ودعامات، وجدران، وسقوف، ونوافذ، وأبواب، والخوض فيها أمر ممتع وحياة أخرى.
لقد كتبت رواية واحدة بعنوان "خلود". استمتعت بكتابتها كثيرًا، وقضيت معها أربعة أعوام، وأعد الآن لكتابة رواية أخرى بعنوان "ثلاثة عشر قمرًا"، تقع أحداثها في عام النكبة، لكنها ليست تاريخية، إنما أتحدث فيها عن حالة إنسانية، من داخل الشخصيات التي ساهمت مساهمة فعَّالة في المقاومة آنذاك.. وبالوقت نفسه فإنني أصدرت مؤخرًا مجموعة قصصية بعنوان "باب العامود".. كما أنني أهتم بالدراسات الأدبية الفنية والتحليلية، وخصوصًا علاقة التراث بالأدب الفلسطيني، حيث أصدرت دراسة نقدية بعنوان "الرواية الفلسطينية والتراث"، لقناعاتي الراسخة بأهمية التراث، وإعادة إحيائه، والمحافظة عليه، وتأكيد وجوده بوصفه أحد الركائز الأساسية في ربط الفلسطيني بأرضه، وماضيه، وبهويته الإنسانية والوطنية، بطريقة تساعد على تعزيز ثباته في مواجهة محاولات الاجتثاث والتغريب للإنسان الفلسطيني، ولذلك فإنني، كما ترى، غير متحيز لجنس أدبي على الآخر.

* لا تكاد "القدس" بتاريخها وحاراتها وأزقتها تفارق كتاباتك.. حتى أن روايتك الأولى "خلود" كأنها جاءت لتخلد هذه المدينة ، والسؤال هل بقي ما يُكتب عن هذه المدينة المقدسة؟
** القدس في عين كل مقدسي، وفي حشاشة كل فلسطيني، وهي في عيني وحشاشتي، فقد شربت ماءها، وأكلت خبزها وزعترها، وتعمدت بزيتها، وتنفست هواءها الأسطوري.
هي، كما قلت لك، تسكن تحت جلدي، وتعلمتها من أناشيد المساءات الرمضانية.
هي تلك الحجارة الطاهرة التي داعبتها أناملي قبل معرفتي حروف الكلام. هي شجرة الزيتون التي أودعتها أسراري. هي روابيّ وسهولي. هي عتباتي وأبوابي. هي سمائي وهوائي، وطلعاتي الصباحية، وشطحاتي المسائية. هي الأسواق، والمعابد، والتاريخ الذي يسير أينما تسير. هي الزوايا والتكايا. هي قصصي الطفولية. هي حبي الأول وحبي الأخير. هي رفضي للغرباء الذين يحاولون طمس معالمها، فيغيّرون أسماءها، ويعبثون ببراءتها، ويحاولون تدنيس روحانياتها، وتنجيس صدرها البهي بخطواتهم الحاقدة.
القدس محفورة في قلبي، أحملها في حلي وترحالي. أغضب عندما تغضب، وأبتسم حين تفرح. أتمايل مع تماوج سنابلها. أبرد عندما تعصف، وأتصدع عندما تتصدع جدرانها، وأغني عندما تغني طيورها.. لكنني لن أتخلى عن بذوري، ولن ألقي بفأسي، ومنجلي، وقلمي.
يحاولون سلخنا عن مدينتنا، فنلتصق بظلالنا. يحاولون تغيير أسمائها، لكننا نحفظها عن ظهر قلب. يحاولون تغيير معالمها، لكن قبابها شامخة، وقناطرها عامرة، ومساجدها شاهدة على من مروا بها، وأجراسها وتراتيلها تزرع السكينة في قلوب أبنائها.
وجودنا سلاحنا الوحيد لحمايتها من مقاصلهم. يستهدفون هذا الوجود بكل الأساليب الشيطانية، التي تتفتأ عنها عقولهم الرمادية. علينا حماية الوجود العربي الفلسطيني المقدسي، نوعًا وكمًّا، ويتطلب ذلك تضافر كل الجهود على كافة المستويات والأصعدة، فالقدس تلبس ثوب حداد على الضمير الإنساني الذي يرى يد العبث الصهيونية تعيث فيها خرابًا دون أن يحرك ساكنًا.

* غالبا ما تلجأ إلى استخدام جمل قصيرة وجازمة ترغم القارئ على التوقف مع كل جملة مما قد يقطع سلاسة السرد أحيانا..؟
** نعم، أنا أستخدم الجمل القصيرة الجازمة أحيانًا، لكنني لا أهدف قطع حبل السرد مع القارئ، إنما هي جمل قصيرة مكثفة، تتحقق فيها الفكرة المستوطنة في قلبي. يعود القارئ مرارًا إلى تلك الجمل ليستدل على مراميها، فتنشأ ألفة بين القارئ والنص.

* أيضا يلاحظ أنك غالبا ما تلجأ إلى المباشرة في معظم قصصك.. الأمر الذي يدفعني للسؤال عن مفهومك للالتزام .. وما الذي تريد أن تقدمه من خلال أعمالك بشكل عام.. ؟
** أحاول من خلال أعمالي الأدبية، أن أقدم رسالة تربوية وطنية أخلاقية اجتماعية، من خلال تسليط الضوء على جزئيات المرحلة الوطنية وأبعادها الإنسانية.
المكان، هو أساس ذاكرتنا الوطنية، وتربيتنا الاجتماعية التي تحثنا على الالتزام بالقيم والثوابت الوطنية، فقد خضت في قضايا تتعلق بالأرض، والإنسان، وصراع الفلسطيني مع العدو الصهيوني الذي يحاول جاهدًا القضاء على إرادتنا وعزيمتنا الوطنية، فتناولت الاعتقال والمعتقل، والاستيطان الذي يلتهم أرضنا شبرًا شبرًا. كما تطرقت لظاهرة العملاء مع المحتل، وتحدثت عن الشهداء، والفلاحين، والأطفال، وخضت في الظواهر الاجتماعية السلبية، ما اعتبره البعض جرأة في الطرح. كما تحدثت عن نفسية الإنسان في ظل معاناته اليومية، وعن أثر الانتهاكات والقمع عليه، وعن هدم المنازل، والإغلاقات، وعزل المدن.. هذه هي معظم مواضيع أعمالي الأدبية، التي تشكل تراثًا أدبيًّا نابعًا من فلسفة الوجود.
نعم، لقد اتسمت مجموعتي القصصية الأولى "الطوفان" بلغتها المباشرة، ذلك أن طبيعة الرسائل المقدمة في المجموعة تتماشى مع هذا الأسلوب بالكتابة، إلا أني بأعمالي اللاحقة لم ألجأ إلى هذا الأسلوب، وخصوصًا في مجموعتي "نبضات" و"باب العامود"، أو في رواية "خلود"، حيث أن طبيعة الموضوعات تحتم عليَّ، اتباع الرمز الفني، فحين كتبت عن الأرض والصراع على الوجود؛ وجدتني أكتب بلغة مباشرة أحيانًا، وحين كتبت عن العلاقة العضوية بين الإنسان والمجتمع بقضاياه المختلفة تحتم عليَّ الكتابة بالأسلوب الرمزي، وخصوصًا في كتابة القصة القصيرة جدًّا.

* استوقفني ذهابك أو رهانك، على البعد الإنساني للآخر "اليهودي" في قصتك "عندما كنت يهوديا".. والسؤال إلى أي مدى يمكن الرهان حقيقة على هذا البعد؟
** لا أظن أننا نستطيع الرهان على أي بعد إنساني للآخر في وضع حل للصراع معه، ولا نقترب من ذلك، إنما كتبت تلك القصة لأظهر للقارئ الخداع الذي تستخدمه الحركة الصهيونية لجلب اليهود إلى فلسطين من شتى بقاع العالم، حيث يصورون لهم الحياة الهادئة الجميلة في أرض اللبن والعسل، ليصدموا بواقع مرير من أول يوم تطأ أقدامهم أرض فلسطين، عندما يكتشفون القمع والاضطهاد والتعسف في عملية التطهير العرقي للشعب الفلسطيني الأعزل، فقد وصفتُ الآخر في أعمالي بـ"الشيلوكي" و"السايكوباتي"، والأهم أنني سمّيته صاحب العيون الرمادية، والقلب الرمادي، والعقل الرمادي، والأيدي الرمادية، وقد اخترت هذا اللون، لأقول إنه مثل الحديد والفولاذ؛ بارد وقاس ومتصلب، لا رحمة، ولا ضمير عنده، فهو رمادي بكل شيء، يقتل بدم بارد، وقح، متعجرف، ناكر للجميل، لا يراعي عهدًا ولا ذمة.

* وكيف ترى تناول الأدب الفلسطيني لليهودي بشكل عام؟
** تناول الأدب الفلسطيني صورة الآخر بمستويات مختلفة، بحيث اختلفت طبقًا لمراحل الصراع الفلسطيني الصهيوني، وقد رأيت أن أوزع هذه المستويات على مراحل ثلاث:
أولاً: صورة الآخر في الرواية الفلسطينية بين 1917 – 1948.
بدأ ظهور اليهودي في الرواية الفلسطينية كسمسار يحترف أعمال الغش والخداع، والذي يسخر كل الإمكانات لخدمة مصالحه الذاتية، على أساس الغاية تبرر الوسيلة، فينصب الفخاخ لصديقه العربي في سبيل تحقيق أهدافه، وأقرب مثال على ذلك صورة اليهودي في رواية "الوارث" لخليل بيدس، ووصف شخصية اليهودي في هذه الرواية جسّد طبيعة العلاقة بين الفلسطيني واليهودي قبل قيام الكيان الصهيوني. وقد ذكر سلمان ناطور في روايته "ذاكرة"، والتي يدور زمن أحداثها قبل العام 1948، وصف اليهودي بأنه خائن، ومستغل لأصدقائه العرب.
ثانيًا: صورة الآخر في الرواية الفلسطينية بين 1948 – 1993.
أصبحت لغة الأدب في هذه الحقبة جزءًا من الصراع الفلسطيني - الصهيوني، وأداة للتعبئة ضد الآخر، فقد وصف اليهودي بالعنصرية، والانعزالية، كما جاء في ثلاثية نبيل خوري، ووصفته ديمة السمان بالمحقق البشع، والجندي القاتل، وصاحب المصنع (رب العمل)، والسيد، في رواية "القافلة"، وباختصار شديد، فقد برزت صورة اليهودي حتى فترة الانتفاضة الأولى بالمستبد القاتل، الذي يستطيب سفك الدماء، وبالمعتدي، والمحقق السادي، الذي يستخدم أساليب التعذيب النفسي والجسدي ضد الأسير الفلسطيني، والأمثلة على ذلك كثيرة، وخصوصًا ما جاء في أدب السجون، ومنها: "ستائر العتمة" لوليد الهودلي، و"ذاكرة الأسر" لراسم عبيدات، و"الاعتقال والصمود" لحسام خضر، و"تحت السماء الثامنة" لمحمود الصفدي، وغيرها الكثير الكثير من الأمثلة.. إلا أن الروائي الفلسطيني لم ينكر الآخر الإنسان، بجرأة وموضوعية، فقد ذكره سلمان ناطور في "ذاكرة" بأنه إنسان في تعامله مع العربي الذي جاء لزيارة بيته بعد النكبة، فترك له البيت وذهب للسكن في مكان آخر، بل إنه ترك فلسطين ورجع من حيث أتى، وكان من أوائل من ذكره كإنسان، ناصر الدين النشاشيبي في "حبات البرتقال"، وغسان كنفاني في "عائد إلى حيفا"، وقصة غريب عسقلان "وردة بيضاء من أجل ديفيد"..
ثالثًا: صورة الآخر في الرواية الفلسطينية ما بعد اتفاقية أوسلو.
في بداية الأمر لوحظ أن وتيرة العداء قد خفّت، إلا أنه لم تظهر الصورة إيجابية للآخر، بعد أن أصابت المثقف الفلسطيني خيبة أمل من الواقع الذي اصطدم به، فراح يعبر بأدبه عن رفضه للتطبيع والتعايش مع اليهودي، كما فعل يحيى يخلف في روايته "نهر يستحم في بحيرة"، وأحمد حرب في روايته "بقايا"..
من ذلك نرى أن الروائي الفلسطيني استمر في رسم صورة الآخر بحسب موقفه السياسي من قضية الصراع.

* في ذات الإطار نبه الأديب محمود شقير إلى الوضع الخطير الذي تحياه القدس في ظل هجمة التهويد الإسرائيلية، وكيف يهتم الأدباء الإسرائيليون بالكتابة عن القدس، لكي يؤكّدوا لشعوب العالم على أنها مدينة يهودية.. ما قولك؟
** نعم، فالقدس تتعرض منذ اليوم الأول لاحتلالها عسكريًّا في الخامس من حزيران العام 1967، لطمس حضارتها العربية، الإسلامية، والمسيحية، ضمن خطة استراتيجية، تتضمن كل جوانب الحياة الاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والجغرافية، فعلى صعيد الثقافة والفنون، أُثني على ما قاله الأخ محمود شقير فيما يتعلق بكتّاب الرواية اليهود، الذين يدأبون على وصف المدينة المقدسة في كتاباتهم على أنها عاصمة للكيان الصهيوني، مغيبين وجود الفلسطيني صاحب الأرض الأصلي، فحتى المعتدلين منهم لا يستطيعون تجاوز خطوطهم الحمراء في التصريح أو الكتابة، ومن ضمن تلك الخطوط؛ القدس، "العاصمة الأبدية" لكيانهم، ولذلك فإن الأدب اليهودي لا يمكن إلا أن يكون متحيزًا لسياستهم المستنبطة من فلسفتهم بأنهم "شعب الله المختار".. ومن يتجاوز هذا الخط، فإنه معاد للسامية، كائنًا من كان، ناهيك عن المناهج التعليمية اليهودية، التي تعتبر العربي إرهابيًّا وقاتلاً، لا يحترم مواعيده، ولا يمكن الوثوق به، ويحفّظونهم شعارًا مبدئيًّا هو: "شُلّت يميني إن نسيتك يا قدس".

* أين مكمن الاختلاف برأيك بين كتاب القصة والرواية في داخل الأراضي الفلسطينية (الضفة والقطاع.. وأراضي الـ 48) وبين كتاب الشتات؟
** برأيي، لا يوجد خلاف كبير بين كتّاب الشتات وكتّاب الداخل، إلا أن كتّاب الشتات لديهم فضاء أوسع للكتابة، بعيدًا عن مراقبة الاحتلال ومضايقاته المباشرة، كما أن نصوص كتّاب الشتات، لم تخل من الحنين إلى الأوطان، بعاطفة صادقة، وإيمان حقيقي بحق العودة الذي انعكس جليًّا عند معظم كتّاب الشتات وخصوصًا الشعراء منهم، فقد حملوا الوطن أينما حلوا ورحلوا، فكان في حقيبة سفرهم، تقمصوه وعاش في نبضهم، وتجلى بكل صورهم، فكان لوحة فنية، وصورة شعرية، ونبراسًا يستنيرون بهديه. عاشوا كل قضاياه، واستمدوا إلهامهم من حراك أبنائه، وتفاعلوا مع انتفاضاته، وضمدوا جراحاته بكلماتهم المنصهرة مع دموع الغربة القاسية؛ تلك الغربة التي تتجلى في معظم أعمال كتّاب وشعراء وفناني شعبنا في الشتات البغيض.
أما كتّاب الداخل، فكتاباتهم تحت مجهر الجلاد، ومقص رجل المخابرات الصهيوني، تميل غالبية أعمالهم إلى الأسلوب الرمزي، الذي أحيانًا يكون مغرقًا في الرمزية، فنرى كاتب يتحدث عن فتاة في قصائده يصف عشقه وولهه لها وما تلك الفتاة إلا فلسطين.. كما إن بعض نصوص كتّاب الداخل، بسبب هذا القلق، تنعكس نفسياتهم غير المستقرة على أعمالهم.

* أخيراً، أسألك.. لمن تقرأ حاليا.. وماذا تكتب..؟
** أقرأ حاليًّا وفي كل وقت "القرآن الكريم"، والذي أستمد منه جمالية اللغة العربية، وبلاغيتها، وبين يدي الآن روايتي يوسف زيدان "عزازيل" و"النبطي"، وانتهيت من "عالم صوفي" للكاتب النرويجي جوستاين جاردر، وكتاب "أعمدة الحكمة السبعة" وهو الإصدار الوحيد لـ"توماس إدوارد لورنس" الذي عُرف في بلادنا بـ"لورنس العرب"، كما إنني لا أترك فرصة لقراءة الشعر العربي القديم، وخصوصًا "المعلقات"، والتي أحب منها أكثر معلقة زهير بن أبي سلمى، كما أحب الرجوع باستمرار إلى قراءة "لامية العرب" للشنفرى، لما فيها من قوة بلاغية وقيمة فلسفية.
أما ما أكتب حاليًّا، فكما ذكرت لك آنفًا، فأنا بصدد إصدار روايتي الثانية "ثلاثة عشر قمرًا"، والتي تدور أحداثها في عام النكبة، كما أعد مجموعة قصصية جديدة.




» تاريخ النشر: 31-10-2011
» تاريخ الحفظ:
» رابطة المعلمين الفلسطينيين في لبنان
.:: http://palteachers.com/ ::.