مهندس أسْر الجنود يتنسم الحرية بغزة


لم يكن سهلاً على الأسير المحرر محمد الشراتحة، أول من خطط ونفذ عمليات أسر جنود لمبادلتهم بأسرى إسرائيليين نهاية عقد الثمانينيات الماضي، أن يمر عن أي من محاور حديثه مع الجزيرة نت حول صفقة التبادل وتجربة أسره دون الحديث عن معاناة رفاقه الأسرى الذين تركهم خلفه بالسجون الإسرائيلية.
ويعتبر الشراتحة، ومعه رفيق دربه محمود المبحوح الذي طالته يد الموساد في دبي مطلع العام 2010، من مؤسسي "الوحدة 101" التابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) والمسؤولة عن أسر الجنديين الإسرائيليين أفي سسبورتس وإيلان سعدون، وقتلهما بعد أن تعذر الاحتفاظ بهما لمبادلتها بأسرى فلسطينيين.
ويقول بطل عمليات أسر الجنود، كما يحلو للكثير من الغزيين تسميته "إن التحرر من الأسر بعد سنوات طويلة له طعم خاص لا يمكن وصفه، ولكن في الوقت ذاته أشعر أن فرحتي منقوصة، لأن هذا النصر العظيم بتحررنا يجب أن يتوج بالإفراج عن كافة أسرانا حتى لا يسجل التاريخ أن الفلسطينيين نسوا أبناءهم يموتون في السجون الإسرائيلية".
وأضاف "أفضل ما أتمناه بعد تحرري من الأسر أن يلحق بنا إخواننا الذين بقوا في السجون، فو الله إنها أفضل أمنية في حياتي".
وتابع "هؤلاء الأسرى الذي قبلوا بقدر الله سيبقون في سويداء قلوبنا ولن تغفل عنهم عقولنا، لأن نجاح الصفقة خط طريقا واضحة وجلية تقول للجميع بأن هذا هو الأسلوب الصحيح للإفراج عن العباد والبلاد".
أقوال الشراتحة (54عاماً) تدلل على أن قهر السجن وظلم السجان لم ينالا من قناعته وإصراره على الطريقة التي انتهجها لتحرير الأسرى قبل أكثر من 23 عاماً.
وقوعه في أسر الاحتلال عام 1989، والحكم عليه بالسجن لمدة 327 عاما، و25 عاماً أخرى عام 1999، لإداراته نشاطات ضد الاحتلال من داخل السجن ليصبح مجموع حكمه 352 عاماً، لم تفقده الأمل في التحرر ضمن صفقة مشرفة كتلك التي كان يحلم بتنفيذها قبل أكثر من 23عاماً ليُفدى بها الأسرى الفلسطينيون.
ومن أجل تحطيم ذلك الحلم لم تكف أيادي الاحتلال عن تعذيبه وتحطيم معنوياته، حيث أبقته أكثر من 12 عاماً في غرف العزل الانفرادي التي لا تتجاوز مساحة إحداها خمسة أمتار مربعة يمكث فيها وهو مقيد اليدين والرجلين ولا يتحرك لقضاء حوائجه إلا وهو على ذات الحال.
وحول إذا ما نجحت مصلحة السجون في تحقيق تلك المآرب، أردف المحرر الشراتحة قائلاً "على العكس تماماً، فالعزل كان فرصة للدارسة والتعلم وحفظ القرآن وتدبر معانيه، بل وكنا نعتز بأنفسنا ونحن نرى عشرات الجنود الإسرائيليين المدججين بالسلاح وهم يرتجفون لدى اقتحامهم زنازيننا خوفاً من أن نبطش بهم".
ومع ذلك فإن أصعب اللحظات التي ضاقت بها نفسه في سجنه هي سماعه أنباء استشهاد قادة المقاومة، وعلى وجه الخصوص الشيخ أحمد ياسين، ورفيق دربه محمود المبحوح، مشيراً إلى أن أكثر ما كان يخفف من محنته هو إيمانه الراسخ بأن أسمى ما يتمناه المرء هو الموت في سبيل الله، وأن ثورات الشعوب لا تشعلها ولا تذكيها إلا دماء المخلصين من أبنائها.
ويعتبر الشراتحة أن قدرة المقاومة على الاحتفاظ بالجندي الإسرائيلي على مدار أكثر من خمس سنوات في بقعة جغرافية ضيقة، جعلت صفقة التبادل معجزة عظيمة بكل المقاييس.
ولفت إلى أن صفقة مؤسسة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة أحمد جبريل عام 1985 بادلت بموجبها المقاومة الفلسطينية ثلاثة أسرى إسرائيليين بـ1050 أسيرا فلسطينيا قتلوا 170 إسرائيليا، بينما صفقة مبادلة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط حررت بموجبها المقاومة 1027 فلسطينيا قتلوا أكثر من ستمائة إسرائيلي مقابل جندي واحد.
ويرى مهندس أسر الجنود (الشراتحة) أن الواقع أثبت أنه لا يمكن تحرير قدماء الأسرى المحكومين مدى الحياة إلا بذات الطريقة التي ثبتت صحتها للجميع.
وعن أكثر المشاهد التي أثلجت صدره عندما وطئت قدماه أرض غزة بعد فراق دام أكثر من 23 عاماً، قال إن حرارة الاستقبال التي قوبلنا بها من أهلنا أشعرتنا بمدى عزتنا بأنفسنا وهونت علينا سنوات الأسر الطوال، مشيراً إلى أن طوابير الجماهير التي كانت تنتظرهم امتدت نحو 35 كيلومترا.
تاريخ الاضافة: 21-10-2011
طباعة