خير الدين أبو الجبين ... أحد رواد الحركة الرياضية في فلسطين

عصام الخالدي
عند الحديث عن الحركة الرياضة في فلسطين لا بد  أن   نذكر الأستاذ خير الدين أبو الجبين الذي عمل كناشط في الاتحاد الرياضي وكان سكرتيرا لمنطقة يافا التابعة  للاتحاد الرياضي الفلسطيني ومحررا رياضيا في جريدة (الدفاع) التي تأسست عام 1934. 

يتناول هذا المقال حياته ونشاطه الرياضي قبل عام 1948 والإنجازات التي حققت بفضله في (زاوية الدفاع الرياضية). ولد خير الدين صالح أبو الجبين في عام 1924 في مدينة يافا في فلسطين  ، درس في المدرسة الرشيدية في القدس وتخرج من الكلية العربية في القدس في عام 1924 ، عمل مدرسا في كلية الثقافة في يافا ثم انتقل إلى مدرسة حسن عرفة في يافا. كان عضوا في النادي الرياضي الإسلامي بيافا ، ثم ساهم بإنشاء النادي الثقافي العربي الذي كان يضم مجموعة من الشباب جميل الحسني وإبراهيم سكجها وأحمد عرفات أبو عمارة وحسين نجم. وقد أنشؤوا مجلة اسمها (أنصار الثقافة) وكانت توزع على كافة الأندية في يافا. في عام 1944 أصبح عضوا في منظمة النجادة (منظمة شبه عسكرية) التي أسسها أعضاء النادي الرياضي الإسلامي في يافا. [1]

أصبح أبو الجبين سكرتيرا للجنة الرياضية في النادي الرياضي الإسلامي بيافا وبعد إعادة تأسيس الاتحاد الرياضي الفلسطيني في أيلول عام 1944 (الذي تأسس في نيسان 1931 وتوقف عن العمل في نهاية الثلاثينيات) أصبح سكرتيرا للجنة الرياضية لمنطقة يافا لهذا الاتحاد. وقد أهلته تجربته الصحفية في أنصار الثقافة أن يصبح محرر الزاوية الرياضية في جريدة (الدفاع) بالإضافة إلى عمله كمدرس في مدرسة حسن عرفة الابتدائية حتى عام 1946 ، ثم عمل موظفا في عام 1946 في دائرة مراقبة الصحف في فلسطين حتى نهاية الانتداب. [2]

بعد عام 1948 غادر إلى الكويت وعمل هناك في مجال التدريس والرياضة والصحافة كواحد من الأوائل والمؤسسين، أمضى عشر سنوات مدرسا للرياضيات في مدرسة القبلية والمباركية وثانوية الشويخ، عمل بوزارة الكهرباء نحو ست سنوات مع بداية النهضة والاستقلال، عاد الى وزارة التربية عام 1975، ليتولى مهمة مراقب التدريب ولغاية عام 1990 وهي فترة التقاعد، وكان أول مدير لمكتب منظمة التحرير الفلسطينية في الكويت عام 1964 ولغاية 1969، وفي عهد أحمد الشقيري كان وجها تربويا من واجهات التعليم ولذلك وضع اسمه في لوائح التكريم عند الاحتفال بثانوية الشويخ والاحتفال الذي نظمته لجنة «كويتيون من أجل القدس»، لنخبة من المعلمين القدامى.[3]  أيضا فقد كان أبو الجبين من مؤسسي الاتحاد الرياضي الكويتي عام 1953 ومن نشطاء الحركة الرياضية في الكويت.

كتب أبو الجبين مذكراته في كتاب (قصة حياتي بين فلسطين والكويت) نشرته دار الشروق في عمان عام 2002 أعطى به لمحة سريعة عن حياته وعن الفترة التي قضاها في فلسطين حتى عام 1948 (وعن حياته في الكويت) وعن قضايا كثيرة تهم القارىء والباحث في مجال الرياضة في تلك الفترة ، ويعتبر هذا الكتاب مرجعا هاما للبحوث في تاريخ الرياضة الفلسطينية.

أبو الجبين محررا لزاوية (الدفاع) الرياضية 1944 – 1948

في أيلول 1944 تم إعادة تأسيس الاتحاد الرياضي الفلسطيني الذي كان قد تأسس في عام نيسان 1931 وتوقف عن العمل بسبب ثورة 1936 وتبعثر كامليا في نهاية الثلاثينيات. وقد كانت إعادة نشوئه بداية لمسيرة تطور رياضي استمر حتى عام 1948. وقد كان للصحافة الرياضية (1944 – 1948) دور هام في دفع النهضة الرياضية وذلك من خلال تخصيص أعمدة رياضية خاصة في صحيفتي (الدفاع) و (فلسطين) ففي الأولى كان هذا العامود تحت (زاوية الدفاع الرياضية) وفي الثانية - (الزاوية الرياضية). وقد تميزت الصحافة الرياضية في تلك الفترة بوجود صلة وثيقة بينها وبين الأندية والاتحاد الرياضي الفلسطيني ، فقد كان يزود القارىء باستمرار بأخبار وافية عن كل الأحداث الرياضية وعن كل الإنجازات التي كان يحققها الرياضيون والفرق الرياضية والاتحاد الرياضي الفلسطيني. لذا فإن الصحافة الرياضية لعبت دورا موازيا ومتداخلا مع الحركة الرياضية الفلسطينية في تعميق الهوية الوطنية الفلسطينية في ذلك الوقت. [4]

كان عمره عشرين عاما عندما تولى في عام 1944 تحرير (زاوية الدفاع الرياضية) في صحيفة (الدفاع) التي كانت تصدر في مدينة يافا ، ومن الصعب الفصل بين هذه الزاوية وأبو الجبين فقد عمل على إحداث تطور كمي ونوعي في الأخبار الرياضية في هذه الصحيفة.[5] وكانت هذه الزاوية بمثابة مرآة عكست هذا التطور الملحوظ على الساحة الرياضية في تلك الفترة ، وقد نشرت أخبار شاملة لكل النشاطات الرياضية بشكل يومي وعرضت مقررات الاتحاد ولجان المناطق واللجان الفرعية ، وأخبار وافية عن اللقاءات والبطولات الكروية وأنواع الرياضة الأخرى مثل الملاكمة وكرة السلة وألعاب القوى ورفع الأثقال والمصارعة وكرة الطاولة وغيرها. وكانت هناك أيضا أخبار تثقيفية محفزة للنشاط البدني والرياضي للأشخاص الرياضيين وغير الرياضيين. كما نشرت أخبار اللقاءات مع الفرق الرياضية من الدول العربية الشقيقة مثل سوريا ولبنان والأردن ومصر، بالإضافة إلى الحفلات الرياضية المدرسية التي كانت تقام في نهاية الأعوام الدراسية.  ومن الجدير بالذكر أيضا أن (الدفاع) كانت تنشر أخبار الكشاف الفلسطيني في (زاوية الدفاع الرياضية) وهذا أكبر دليل على الترابط العضوي بين الحركة الرياضية والكشفية.[6] أيضا ومن الأمور الهامة التي قامت بها هذه الصحيفة هي حملتها الدعائية من أجل إنشاء ملاعب جديدة كانت ستعمل على تطور الرياضة الفلسطينية في تلك الحقبة. [7]

عمل أبو الجبين على نشر أخبار محفزة للنشاط الرياضي ومعبرة عن دور الرياضة في التعاضد القومي بين فلسطين والبلدان العربية الشقيقة "في البلاد اليوم أندية فتية كثيرة ، ومنها ما جعل الرياضة همه الرئيسي، ومنها ما حصر غايته في تشجيع الثقافة والقيام بالخدمات الاجتماعية ، وقد كانت هذه النوادي على اختلاف مناحي نشاطها ناجحة كل النجاح تستحق التقدير والثناء والتشجيع. لكنها فكرة ، يجدر بهذه النوادي الاهتمام بها أكثر من الدرجة الحالية للاهتمام في تشجيع الرحلات والتزاور والتعارف بين هذه الأندية بعضها مع بعض، وتنظيم سفرات عامة يشترك فيها أكثر من ناد واحد إلى الأقطار العربية الشقيقة، القريبة منها والبعيد، ففي مثل هذه الرحلات والسفرات ، توثيق لأواصر العروبة ، وتقوية للشعور المشترك، وتعارف بين شبيبة العرب على اختلاف ديارهم وبلادهم. نريد أن نسمع بسفرة تنظم إلى سوريا ولبنان على أن تشتمل هذه الرحلات على أهداف متعددة من رياضية وعلمية واجتماعية. وليس أنفع من هذه الرحلات لتوسيع الثقافة العامة لشبابنا، وليس أنجع منها في تقوية عرى الأخوة المشتركة بين شباب العرب."[8]

 لم يكن هناك نشاط عمل على تجميع وتوطيد أواصر الصداقة بين أبناء فلسطين مثل النشاط الرياضي وهذه هي الوظيفة الهامة التي يتميز بها هذا النشاط . فمن أجل زيادة عرى التآلف والمعرفة بين مختلف الأندية والجمعيات في فلسطين طلب أبو الجبين من الأندية في كل أنحاء فلسطين عبر (الدفاع) تحت عنوان (للتعارف بين الأندية) أن توافيه بنبذة وافية عن تأسيسها وأعمالها ونشاطاتها  في مختلف الميادين وخصوصا الرياضية منها ذاكرة أنواع الألعاب الرياضية التي يمارسها أعضاؤها وغير ذلك . وطلب أن ترسل هذه الخلاصات لعنوانه البريدي في يافا.[9] وقد كانت هذه الخطوة مبادرة جيدة من أبو الجبين في (الدفاع) من أجل جمع بيانات عن الأندية كانت ستعمل على تحسين عمل الاتحاد الرياضي الفلسطيني ، وستقدم خدمة معلوماتية جليلة للحركة الرياضية في فلسطين.

ومما يدعو للدهشة أن نرى أن أبا الجبين كان من الداعين بالإضافة إلى النقاد والكتاب  الرياضيين في فلسطين إلى عقد اجتماع في تشرين الأول عام 1947 لبحث أمر تشكيل اتحاد لهم ووضع قانونه الأساسي وكان هذا الاتحاد سيضم ممثلين عن صحف فلسطين اليومية ومحطات الإذاعة والاتحاد الرياضي الفلسطيني.[10] وهذا ما كان يعكس الوعي الصحيح لما كان يتطلبه الوضع الإعلامي والثقافي في تلك الفترة.

(الدفاع) وانضمام فلسطين العربية إلى الاتحادات الدولية

 كما أشير سابقا عن الترابط العضوي بين (الدفاع) والاتحاد الرياضي الفلسطيني فقد أولى أبو الجبين أيضا اهتماما بأخبار مساعي هذا الاتحاد من أجل نيل العضوية في الاتحاد الدولي لكرة القدم ومواجهته (جمعية فلسطين لكرة القدم) التي كان يهيمن عليها الصهاينة والتي كانت تمثل فلسطين في الاتحاد الدولي . ومن المعلوم أن الاتحاد الفلسطيني كان في صراع دائم معها ، لذا فقد كانت محاولة انضمامه هذه بمثابة تحد وإثبات وجود لشعبنا ولهويتة الوطنية الفلسطينية. [11]

وهذه بعض الأخبار بهذا الشأن أصدرتها (الدفاع) أثناء تحرير أبو الجبين لهذه الزاوية "في تموز 1946 سافر عبد الرحمن الهباب سكرتير الاتحاد الرياضي الفلسطيني إلى القاهرة واجتمع هناك مع أمين الجامعة العربية ومع حيدر باشا رئيس الاتحاد المصري لكرة القدم وقد أبدى أصحاب السعادة اهتماماً كبيرا في مسألة تسجيل الاتحاد الفلسطيني في الاتحاد الدولي وأسفوا لتعذر إيفاد مندوب المؤتمر الدولي الرياضي في لوكسمبورغ على أنهم بعد التشاور مع أمانة الجامعة استقر رأيهم على إرسال برقية للجمعية الدولية يطلبون فيها تسجيل الاتحاد الفلسطيني في الجمعية، وعلى أثر إرسال هذه البرقية بعث سكرتير الاتحاد كتابا تفصيليا يوضح موقف الاتحادات العربية من فلسطين وعزمها الأكيد على تشكيل اتحاد شرقي وتأييد الفرق العربية الفلسطينية في اتحادها الرياضي وتقرر تكليف أحد موظفي السفارة بالبلجيك بتمثيل فلسطين لضيق الوقت." [12]

"حاول الاتحاد اللجوء إلى اللجنة العربية العليا للمساعدة في تسجيله في الاتحاد الدولي في إحدى جلسات اللجنة المركزية في أيلول 1946 نوقش أمر مراجعة الهيئة العربية العليا بهذا الخصوص."[13]
 
"اطلع الاتحاد في كانون الثاني 1946على المخابرات المتعلقة بتسجيل الاتحاد دوليا وقرر تفويض السيد رشاد الشوا لمراجعة الأوساط السياسية والرياضية في مصر لبحث ما يمكن عمله للتسجيل وذلك خلال رحلته إلى مصر."[14] وللأسف فقد استطاع الجانب اليهودي التغلغل في الاتحاد الدولي والتأثير عليه ليكون هو الممثل لفلسطين فيه.

 وحول مشاركة فلسطين في الألعاب الأولمبية التي كانت ستقام في لندن في عام 1948 جاء في صحيفة (الدفاع) في عام 1947 من أحد القراء المعنيين بهذا الأمر "علمنا أن السكرتير العام لحكومة فلسطين قد تلقى دعوة رسمية لاشتراك فلسطين في الألعاب الأولمبية المقبلة التي تقام في لندن في العام القادم وقد جاء في الخبر أن سعادته قد حول الطلب إلى اللجنة الأولمبية الفلسطينية ! ونحن هنا نتساءل ممن تتكون هذه اللجنة؟ هل للعرب نصيب فيها ؟ أم أن اليهود وحدهم هم الذين سيمثلون فلسطين في هذه الألعاب الدولية التي يحق لنا أن نطالب بحقنا في الاشتراك فيها لأننا نمثل أغلبية السكان في هذه البلاد."[15] ومن المعلوم أن اللجنة الأولمبية الفلسطينية قد تأسست من قبل الصهاينة في عام 1933 ودخلت في عضوية اللجنة الأولمبية الدولية في عام 1934 ، فهم أرادوا أن يمثلوا فلسطين لتكون "يهودية" أمام العالم عاملين على تهميش العرب من الساحة الرياضية.

لم يتوان الرياضيون الفلسطينيون عن تقديم العون لإخوانهم السوريين حفاظا على المشاعر القومية بين فلسطين وسوريا عندما قاموا بجمع تبرعات لهم ، فقد ساهمت (الدفاع) بهذه المساعدة من خلال نشرها لهذا الخبر "تلبية لتعميم اللجنة المركزية للاتحاد أرسلت الأندية الآتية تبرعاتها لمنكوبي سوريا ولبنان (عندما احتل الفرنسيون البرلمان السوري وعرقلوا الحياة البرلمانية بالحديد والنار – الكاتب) إلى أمين صندوق الاتحاد الرياضي الفلسطيني وهي: اللجنة الرياضية للنادي الرياضية الإسلامي 5 جنيهات، اللجنة الرياضية للنادي الأرثوذكسي بيافا 5 جنيات، النادي الأهلي بيافا جنيه ، وينتظر وصول تبرعات من باقي الأندية خلال هذا الأسبوع."[16]

أولى أبو الجبين من خلال هذا الزاوية اهتماما في الشخصيات الرياضية التي بذلت جهودا من أجل رفع مستوى الرياضة عاليا متحدية الهيمنة والتفوق الصهيوني في المجال الرياضي ففي تموز عام 1947  كتب تحت عنوان (عطا الله قديس) الذي كان يعتبر من نشيطي الحركة الرياضية ومن الحكام المعروفين في مجال كرة القدم في ذلك الوقت "يذكر القراء أن السيد عطا الله قديس مدير القسم الرياضي في جمعية الشبان المسيحية بالقدس وأحد حكام الاتحاد المعروفين غادر البلاد مؤخرا إلى أميركا وقد أدى في زيارته هذه خدمة جليلة لفلسطين العربية إذ أنه عرف الأميركان أن عرب فلسطين يقدرون الرياضة حق قدرها وأن مستواهم الرياضي في الألعاب المختلفة مستوى جيد وقد بذل جهوداً كبيرة في ذلك إذ أن الأميركان كانوا يجهلون عنا كل شيء."[17]

كسرتير للجنة منطقة يافا للاتحاد الرياضي فقد أصبحت هذه اللجنة من أنشط لجان مناطق الاتحاد ، فكما هو معروف فقد قسم الاتحاد المناطق في فلسطين إلى ستة (يافا ، القدس، حيفا، نابلس ، غزة ، الجليل) ، والذي ساعده (الاتحاد) في ذلك أيضا هو أن يافا لم تكن مركزا ثقافيا فحسب وإنما كانت أيضا من أكثر المدن في فلسطين تطورا في المجال الرياضي وذلك بفضل وجود الأندية العديدة من أهمها النادي الرياضي الإسلامي ونادي الشبيبة الأرثوذكسي والمعهد الأولمبي والنادي الأنضوني والموظفين وغيرها.

 وفي الختام فإن اسم خير الدين أبو الجبين قد سجل في تاريخ الحركة الرياضية الفلسطينية مع نشطائها أمثال عبد الرحمن الهباب ويوسف نفاع والدكتور حقي مازين والملاكم أديب الدسوقي والأستاذ حسين حسني وزكي الدرهلي وعشرات من الذين سهروا وعملوا جاهدين من أجل رفع شأن هذه الحركة عاليا متحدين الظروف الصعبة التي كانت تمر بها فلسطين في تلك الفترة ، فخير الدين أبو الجبين وزملاؤه كانوا قد رسخوا قاعدة للنشاط الرياضي الفلسطيني المعاصر ، ولو لم يبتل شعبنا بنكبة عام 1948 لاستطاعت هذه الحركة أن تحقق المزيد من النجاحات بفضل فترة 1944 – 1948 التي تعتبر فترة ذهبية في تاريخ الرياضة الفلسطينية..
تاريخ الاضافة: 27-03-2011
طباعة