هل يذهب "العمل الفلسطيني المشترك" ضحية إشتباكات الميّة وميّة


كشفت ​مصادر فلسطينية​ لـ"​النشرة​"، عن مخاوف جديّة من أن تدفع "الاطر المشتركة الفلسطينية" ثمن الاشتباكات المسلحة التي حصلت في مخيم "الميّة وميّة" في صيدا، بين حركة "فتح" و"انصار الله"، والتي أدّت الى سقوط قتيلين وأكثر من عشرين جريحا، إضافة الى أضرار جسيمة في الممتلكات، اذ لاحظت ان "القيادة السياسية الموحدة" في لبنان لم تعقد أي إجتماع "طارىء"، رغم خطورة ما جرى وتداعياته السلبية على الداخل الفلسطيني والجوار اللبناني.

في الأروقة السياسية الفلسطينية المغلقة، يدور حديث ضمني عن قرار "فتحاوي" مزدوج بعدم المشاركة في أي إجتماع ممكن ان يشارك فيه ممثلون عن "انصار الله"، اذ جاءت الاشتباكات الأخيرة لتكسر "الجرّة" بينهما وتقطع "الخيط الرفيع" الذي حافظت عليه من أجل أمن المخيم وحمايته، وتبرر "كيف يمكن الجلوس مع من يستهدفنا"؟!، علما أن القناعة الفلسطينية السائدة بأن الاشتباكات لم تأتِ بسبب إشكالٍ فرديٍّ فقط، بل نتيجة تراكم سلسلة من الخلافات الطويلة واتهامات متبادلة بين الطرفين، كما بعدم إعطاء حركة "حماس" أي مكسب سياسي في إطار معالجة هذه الاشتباكات وتداعياتها.

على خلفيّة هذا القرار، تؤكد المصادر الفلسطينية لـ"النشرة"، صعوبة تشكيل "قوة أمنيّة مشتركة" في "الميّة وميّة" تعمل على حفظ أمنه واستقراره وتمنع تجدد الاشتباكات، أو تعمل على تطويق ذيول أي اشكال وتسليم أي مخلّ الى السلطات اللبنانيّة، وفق ما جاء في "اتفاق" وقف إطلاق النار الذي عقد في ثكنة محمد زغيب العسكريّة في صيدا، برعاية مدير فرع مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب العميد فوزي حمادة ومشاركة المسؤول السياسي لحركة "حماس" في لبنان الدكتور أحمد عبد الهادي، بعد وضع "فيتو" "فتحاوي" على نشر "حماس" "قوة فصل" موقتة لمنع أيّ احتكاك وطمأنة الناس، ريثما يتمّ التوافق على تشكيل "القوّة الامنيّة المشتركة"، وهذان السببان هما اللذان يجعلان الوضع الأمني في المخيم يراوح في مكانه من التوتّر الخفيّ، بل والقابل للاشتعال عند أي حدث ما ينذر بالاسوأ، مع ارتفاع الصوت اللبناني المعترض في القرى المجاورة، وزيارة الوفود الحزبيّة المتضامنة مع أبناء البلدة والتي دعت علانيّة الى سحب السلاح الفلسطيني ودخول الجيش اللبناني الى المخيّم حفاظا على أبناء القرى المجاورة من التهجير مجددا؟.

صعوبة تشكيل "القوة الامنية المشتركة"، وعدم الموافقة على نشر "حماس" "قوة فصل" موقّتة، وترنّح الوضع الأمني في مكانه من التوتر، دفع الجيش اللبناني الى توجيه "رسالة" حاسمة مفادها "ممنوع تجدّد الاشتباكات" وتحت أيّ ظرف كان، خاصة في ظل "الفراغ" او "الخلاف السياسي" المتصاعد في البلد حول تشكيل الحكومة العتيدة برئاسة النائب سعد الحريري، وأتبع الموقف بجولة ميدانية لكبار ضباطه الذين دخلوا الى المخيّم للمرة الاولى، ولامسوا أحد أحيائه بعد حاجز "قوات الامن الوطني الفلسطيني" من الجهة الغربيّة، واستطلعوا عن كثب كافة الاجراءات الممكن اتّخاذها في حال عاد وانفجر الوضع هناك، لان موقع مخيم "الميّة وميّة" الجغرافي له خصوصية وهو الواقع على تل عال ويقابل الكثير من القرى كما مدينة صيدا، ويختلف عن ​عين الحلوة​ وعن طرق معالجته.

ندوب وخطر
بالمقابل، تركت الاشتباكات ندوبا فلسطينية مباشرة وغير مباشرة، اذ كشفت في الاولى هشاشة الواقع الفلسطيني على المستويين السياسي والأمني، الذي يفتح باب المخيمات الفلسطينية في لبنان لان تكون "لقمة صائغة" لايّ استهداف خارجي أو استدراج، تزامنا مع تسويق مشروع "صفقة القرن" ومحاولة إنهاء وكالة "الاونروا" وبينهما شطب حق العودة، وفرضت نزوح العشرات من العائلات من المخيّم حتى اشعار آخر طلبا للأمن والطمأنينة، بعدما أدّت الى اضرار ماديّة كبيرة في المملتكات من المنازل والسيارات، وحتى الان لم تعلن أيّ جهة عن استعدادها لدفع التعويضات الماليّة لاصلاحها، وفي غير المباشرة ضغطت على "الجرح النازف" ورفعت نسبة الإحباط واليأس لدى الكثير من أبناء المخيّمات الذين يعيشون الفقر والبطالة، فعادوا ليرفعوا الصوت عاليا: دعوات للهجرة وطلب اللجوء الانساني الى الدول الغربية، ما يمكن أن يؤدي الى تفريغ المخيّمات تدريجيًّا وخاصة من جيل الشباب.

تحديات مزدوجة
وتؤكد مصادر فلسطينية لـ"النشرة"، أن هذه الندوب تفرض على القوى الفلسطينيّة الوطنية والإسلامية تحدّيات جديّة مزدوجة، على المستوى الفلسطيني الداخلي تبدأ بتناسي الخلافات والتأكيد على استثنائية الساحة الفلسطينية في لبنان، وتتجاوز الأقوال الى الأفعال، و"الموقف الموحد" في قاعات الاجتماعات والغرف المغلقة، الى وضع "خطة موحدة" تترجم ميدانيا على الأرض بحماية المخيمات وأمنها وإستقرارها مع الجوار اللبناني والأهم الحفاظ على العلاقات الفلسطينية–اللبنانية الثنائية، بحيث لا تهتز عند أي حدث، كي لا تكون مبررا لاعادة فتح الجراح القديمة وبالكاد بدأت تطوى صفحته.

خارطة طريق
ورسمت هذه المصادر، "خارطة طريق" لمواجهة التحديات والخروج من المأزق، أولا: يتمثل بمساعدة القوى اللبنانيّة السياسيّة والأمنيّة اللبنانيّة لإرساء تفاهم حقيقي يحفظ أمن المخيم واستقرار الجوار، على إعتبار ان التنظيمين "المتقاتلين" "فتح" و"انصار الله" لها مرجعيتهما، ومن النسيج الفلسطيني المعروف وضمن "الأطر المشتركة"، ويتمتعان بعلاقات جيدة مع مختلف القوى اللبنانية، التي يمكن أن تساهم في حل دائم خلافا لما يجري في عين الحلوة.

وثانيا: يتمثل بإعادة تفعيل كافة "الأطر السياسية الفلسطينية" الموحدة على مستوى لبنان وكافة المناطق، التأكيد على حرمة الإقتتال ورفضه جملة وتفصيلا، إحترام السيادة اللبنانية وضمان عدم تكرار ما حصل من إستخدام السلاح في حلّ الخلافات مهما كانت الأسباب، وإعتماد لغة الحوار بين الجميع ورفع الغطاء من كافة القوى السياسية فعليا عن كل مخلّ بأمن المخيمات وتسليمه للقضاء اللبناني، عودة أبناء المخيم الى منازلهم والحياة الى ما كانت عليه سابقا وفتح كافة المؤسسات الصحية والتربوية والاجتماعية، وازالة اثار الاضرار التي خلفتها الاشتباكات وصيانة المنازل المتضررة وإعادة مد جسور الثقة وتعزيز العلاقة الاخوية بين المخيمات والجوار التي اهتزت بسبب الاحداث الاليمة، فأي تصعيد جديد يهدّد المخيّم في وجوده، وينعكس بالضرر والخطر الكبيرين على مخيم عين الحلوة وصيدا والجوار اللبناني.

المصدر: النشرة
تاريخ الاضافة: 23-10-2018
طباعة