"الجاروعة" و"البدوديا" و"الجداد".. الزيتون يتحدث بالفلسطيني


لا يعدّ المواطن "أمجد أبو غالي"، موسم الزيتون مجرد موسم زراعي، وهو يهم بالخروج لأرضه الوعرة برفقة أبنائه وبناته وأشقائه، في عمل يغلب عليه الجو الاحتفالي.

وعلى الرغم من الحداثة، وما جلبته من ابتعاد عن الأرض، فإن موسم الزيتون في نظر "أبو غالي" وكثير من الفلسطينيين نمط حياة، "حيث الشاي على الحطب، والأكل تحت الزيتونة في الهواء الطلق، وتبادل الأحاديث، وفوق كل ذلك اجتماع الأسرة تحت شجرة واحدة، ما زالت حتى اليوم رمزا يمثلهم بين شعوب العالم".

وبينما ينتظر "علي أبو راس" أمام مصب الزيت في معصرة الزيتون، والشوق يملؤه لمعرفة مقدار الزيت الذي ستجود به أرضه، يؤكد، لمراسل "المركز الفلسطيني للإعلام"، أن "المسألة ليست مقياسا ماديا، بالنسبة لي، فإن الزيت الذي تننتجه أرضي لا يقدر بثمن"، يتحدث وهو يتذوق أولى قطرات الزيت التي تخرج من الأنبوب.

وتشكل الأراضي المزروعة بالزيتون نحو (46%) من مجمل الأراضي الزراعية في فلسطين، حسب بيانات وزارة الزراعة، ما يؤكد أهميته الاقتصادية والزراعية عبر العصور في فلسطين.

للزيتون مصطلحات خاصة
ويقارن الحاج منذر "أبو علي"، قطف ثمار الزيتون، بين الماضي والحاضر، فقد عايشه لعقود طويلة اختلفت خلالها الممارسات بفعل التطور، ولكن بقيت نكهة الزيتون حاضرة.

ويضيف: قديما كنا نخرج لجداد (قطف الزيتون) الزيتون بأدواتنا اليدوية، إذ نصنع السلالم اليدوية، ونستخدم الدواب للوصول للجبال ونقل الأحمال، فيما كانت النساء تحضر الفلال لجمع ثمار الزيتون، (عبارة عن مفارش تخيطها النساء من أكياس الطحين الفارغة التي تتجمع في المنزل طيلة العام).

ويستذكر "أبو علي" ممارسات وطقوسا اجتماعية مرتبطة بالزيتون من قبيل الأهازيج، وكذلك احتفالية "جاروعة الزيت" (حلوان الزيت) عند عصره وتذوقه، كما يشير إلى ممارسة "البدوديا"، (أي يدا بيد، يتم شوي حبات الزيتون ثم هرسها بالصخر، واستخراج زيتها، وأكله بشكل جماعي).

"صحيح أنه مُتعب، لكن عندما أقوم بصنعه (زيت البدوديا)، أستذكر أبي وأمي وأجدادي، أستشعر كيف كانوا يحصلون على اللقمة بتعب وشقاء، ولكنها هنية ولا مثيل لطعمها الرائع"، يصف أبو علي زيت البدوديا، الذي لا ينقطع من منزله.

ويعزو سبب تسميته بالبدوديا: "لأن يدا واحد لا تستطيع أن تصنعه، فلا بد من التعاون بين المزارعين، حتى تتمكن من إنتاج الزيت الذي يتميز بنكهته الخاصة المدخنة، ومن يتذوقه يبقى طعمه بفمه لأكثر من أسبوعين"، كما قال.

ويعرب الحاج "أبو علي" عن غصة في قلبه، يعزوها لعدم تعامل الأجيال الجديدة مع شجرة الزيتون بالاحترام الكافي، يقول بألم: "يستخدمون العصي في جني الثمر، ما يلحق الأذى بالشجرة ويقلل إنتاجيتها، كما أن البعض لا يهتم بالأرض، وفقط يتذكرها عند جني ثمار الزيتون".

أهازيج تراثية
وانغمست شجرة الزيتون في حياة الفلسطينيين عبر كل العصور، رسخت رمزيتها بالموروث الثقافي والاجتماعي، فلا تكاد تجد فلسطينيا، إلا ويحفظ عن ظهر قلب، واحدة من أشهر أغاني موسم الزيتون: (على دلعونة وعلى دلعونة، زيتون بلادي أجمـل ما يكونا، زيتون بلادي واللوز الأخضر والميرامية، ولا تنسى الزعتر وقراص العجة لمـا تتحمر، ما أطيب طعمها بزيت الزيتونا..).

كما ويعج قاموس الأمثال الشعبية الفلسطينية بالزيت والزيتون، ومنها "أيام الزيت أصبحت أمسيت"، في كناية عن قصر نهار الشتاء، الذي يتزامن مع قطف الزيتون، و"أيام الزيت طول الخيط"، و"كل زيت وانطح الحيط" "الزيت مسامير المعصب أو الركب"، في كناية عن الفوائد الصحية لزيت الزيتون.

المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام
تاريخ الاضافة: 23-10-2017
طباعة