وسط ركامٍ قاتل في عين الحلوة.. "بائع كعكٍ" في صوته سلام!


ينادي ذلك البائع الأربعيني بأعلى صوته على كعكاته "كعك.. كعك.. عصرية يا كعك". للرجل موسيقى في صوته تجعل نداءه غناءَ سلام... غناءٌ نديٌّ وسط ركامٍ قاتلٍ اجتاح الشارع الفوقاني والمدخل الشمالي للسوق التجاري لمخيم عين الحلوة في صيدا اللبنانية، مع الأحداث الأمنية الأخيرة.

ترى بائع الكعك أبو محمد أبو سويد، يتنقّل بعربته بين البائعين في السوق يسمع قصصهم ويشعر بآلامهم، يطمئن هذا الذي انتكست تجارته، ويواسي آخراً دُمّر محلّه بفعل الاشتباكات المسلحة.. فبات يعرف وجوههم وتعابيرها حقّ المعرفة!

أبو سويد والدٌ لأربعة أبناء يبيع الكعك "الطرابلسي" منذ 5 سنوات على عربته تلك في سوق المخيم.. حيث يُعتبر أبو سويد أول بائع كعكٍ طرابلسي في عين الحلوة.. وتصاحب تلك الكعكة الزعتر، الجبن البلدي أو الجبن المعلّب، الذي قال لنا ذلك الإعلان الشهير ذات يومٍ أنّه فرنسيّ.. وعندما كبِرنا عرفنا أنّ أحداً في فرنسا لم يسمع به!

أصعب اللحظات التي تمرّ على أبو محمد هي تلك التي تصاحبها أصوات القذائف وأزيز الرصاص لتُعلن عن بدأ موجةٍ جديدةٍ من الاشتباكات بين مجموعاتٍ متصارعة داخل المخيم.. يقول أبو سويد لشبكة العودة الإخبارية «كم أكره تلك الأيام التي ترافقها الاشتباكات المسلحة، أعيش خلالها والخوف يعتريني بأن لا أستطيع توفير حاجةً ما لأبنائي.. فالسوق تُغلِق محاله أبوابها، ليُعلن حالة طوارئٍ كُبرى»!

إرادة حياة..

لكنّ حال أبو سويد تبقى أقلّ مأساويةً عن غيره من تجّار المخيم، الذين قد يستفيقون على هول احتراق محالهم بالكامل بفعل القذائف، وكثيرٌ منهم قد ذاقوا من ذلك المرّ.. ويضيف أبو سويد قائلاً «الحمد لله أنّ خسارتي في الاشتباكات تبقى أقل بكثير من أصحاب المحال التجارية، حيث آخذ عربتي وأذهب بها إلى أحياءٍ أكثر أمناً في المخيم لأسترزق هناك ريثما تهدأ الأجواء».

لا الرصاص ولا القذائف استطاعت أن تمنع أبو سويد من مواصلة حياته اليومية بروتينها وبأنغامه وهو ينادي على كعكه في الأحياء الأخرى من المخيم.. إذ لا يستطيع أبو سويد أن يجرّ عربته خارج أسوار المخيم إذ يحتاج إلى ترخيصٍ من البلدية لبيع الكعك في مدينة صيدا، والذي قد يأتي بالرفض في أحيانٍ كثيرةّ!

لذلك لا تنسَ إن مررتَ في سوق عين الحلوة، ووصلك صوت البائع "عصرية يا كعك"، أن تأخذ واحدة، وتلتهمها على مهل، وتتفرّج على المكان حولك، وغنِّ مع المغني: عصرية يا كعك فرّح قلوب الناس شوية...

المصدر: هبة الجنداوي- شبكة العودة الإخبارية
تاريخ الاضافة: 02-09-2017
طباعة