الشيخ «أبو هريرات».. وحكاية قطط الأقصى المبارك


بخطى سريعة، وهمة عالية، يخترق مسن بلحيته البيضاء الكثيفة تلك الممرات الضيقة بين السيارات، يقطع الطريق وعلى كتفه حقيبة صغيرة، متجها بلهفة وشغف نحو إحدى بوابات المسجد الأقصى، يتحرك في مكانه بغضب، بانتظار أن يسمح له من قبل جندي إسرائيلي محتل بالدخول للأقصى، فهناك من ينتظره أيضا بشغف.

قطط الأقصى
"كانت الطريق مزدحمة جدا، لقد تأخرت عليهم"، كلمات تمتم بها الشيخ غسان رفقي يونس، الملقب بـ"أبو هريرات"، (68 عاما)، من سكان مدينة عارة، شمال فلسطين المحتلة، لـ"عربي21" التي رافقته في رحلته شبه اليومية للمسجد الأقصى المبارك.

وتسأله "عربي21": وعن ماذا تأخرت شيخنا؟، فيجيب: "هناك من ينتظرني من الأطفال والمرابطين والمرابطات، وحتى الهرر، لقد تعودت عليهم وأشعر بالحنين لهم، وهم كذلك".

فكل شبر في المسجد الأقصى يشهد على وطئ أقدام الشيخ يونس، وصوت صفيره، وهدي ذكره وتسبيحه، وهمس ابتسامته حينما يداعب أطفال الأقصى الذين ينتظرونه بشوق، وسرعان ما يلتفون حوله ليبادر بإطعامهم الحلوى.. ولا يقف الأمر هنا بل تتعقبه الهرر (القطط) ليطعمها بيده بعض ما يشتهون.

ويبين "أبو هريرات" أن حكايته مع "هرر الأقصى" تأتي تيمنا بالصحابي عبد الرحمن بن صخر الدوسي الذي امتلك هرة، و"كان شديد البر بها، إطعاما وملاعبة وكرما ومرافقة"، حتى أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لقبه بأبي هريرة. ومن هذا المنطلق، يقول الشيخ يونس، "أحببت القطط، وأكرمها".

ويتابع: "في حالات الإبعاد أو منعي من قبل الاحتلال من دخول الأقصى أكلف بعضا من أصدقائي بفعل مهامي، بالترحيب بأهل الأقصى، وإطعام الهرر".

رحمة و حب
"رحمة، شغف، حب، عشق، شوق.."، مفردات ربما لا سبيل لها أن تصف مدى ارتباط "أبو هريرات"، بالمسجد الأقصى المبارك وهرره البالغ عددها قرابة 40 هرة. لكن من أين أتيت بكل هذه الرحمة والحب لكل ما يدب في باحات المسجد الأقصى؟

يفصح الشيخ يونس بعد "إلحاح"، عن سر شغفه بالمسجد الأقصى، حيث يوضح أن ذلك يعود إلى سبعينيات القرن الماضي، حين كان شابا يعمل لدى يهودي في الأرض المحتلة، وقدر له أن يرافق مشغله في رحلة جوية عبر طائرة اعتلت مدينة القدس.

ويقول لـ"عربي21": "في هذه الرحلة رأيت المسجد الأقصى للمرة الأولى من فوق، كنت منبهرا بما أرى، جمال وهيبة تفوق الخيال"، مؤكدا أنه "منذ تلك اللحظة انشغل قلبي حبا وشوقا بالأقصى، ورحت أزوره وأرابط فيه ولا أستطيع فراقه لحظة".

ويكشف أن لـ"شيخ الأقصى"، الشيخ رائد صلاح، رئيس الحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة عام 48، "دور كبير في زرع وتغذية ورعاية بذرة حبه للأقصى"، موضحا، بنبرة ألم، أنه "يشعر بالذنب إذا تأخر برهة عن الوصول إليه أو منع بأمر إبعاد عسكري من زيارته"، حسب قوله.

مجزرة الأقصى
ويروى الشيخ يونس أصعب اللحظات التي عاشها وشاهدها في المسجد الأقصى، عندما "اقتحم المجرم آرييل شارون المسجد الأقصى عام 2000"، وحينما ارتكب جنود الاحتلال مجزرة المسجد الأقصى المبارك بتاريخ 8 تشرين أول/ أكتوبر 1990، والتي رح ضحيتها 22 شهيدا، موضحا أنه أتى في اليوم التالي للمجزرة ولم يكن في المسجد الأقصى إلا هو "فقط"، وكان جنود الاحتلال "يعيثون فيه فسادا".

وأشاد في حديثه الخاص لـ "عربي21"، بالمرابطين والمرابطات الذين يكابدون عناء السفر من أجل حماية الأقصى من المتطرفين اليهود، مبينا أن أحد المرابطين "يأتي من شمال فلسطين المحتلة، ويسافر يوميا مدة ست ساعات ذهابا وإيابا، من أجل الأقصى".

ويضيف، وهو ينثر نور ابتسامته البيضاء على وجوه كل من يلقاهم: "كل من حولي تعلو وجوههم الابتسامة، كيف لا وهو في المسجد الأقصى المبارك الذي يمتاز بخاصيته وجاذبيته"، مشددا على أن "النصر على الأبواب، وهذه الأمة لن تخذل أبدا".

وتمنى "أبو هريرات" أن يرى المسجد الأقصى التي تبلغ مساحته الإجمالية 144 ألف متر مربع، وهي "تمتلئ بالمصلين من جميع أنحاء العالم".
تاريخ الاضافة: 08-05-2015
طباعة