صوّب صلاتك








د.ديمة طارق طهبوب
"صوّب صلاتك" هو مطلع قصيدة للشاعر جاسم الصحيح يطلق فيها مفهوما متقدما لدور الصلاة في الحياة التي تبدأ بزاوية ضيقة لمكان سجود الجبهة لتحتضن العالم كله، بل الدنيا و الاخرة لتصل بصاحبها الى قرب العرش حيث فُرضت الصلاة لأول مرة

صوّب صلاتك مفهوم يحمل معاني كثيرة وأول ما يتبادر الى الذهن مفهوم التصويب و التحسين و الإجادة و الإقامة و هو على حسنه عمل فردي يقوم به المرء لوحده بمحاولة زيادة الخشوع و تقليل الذنوب و لم شعث القلب و التفكر في المعاني

و لكن الصلاة بمركزها المحوري في الاسلام لها أكبر من هذه الخصوصية و العلاقة الفردية بين الرب و العبد، الحكمة من مشروعيتها كانت مرتبطة بكرامة الله لهذه الأمة أن جعل لها الأرض، الأرض كلها، مسجدا و طهورا بالمعنى الحقيقي و المجازي الذي يعني وصول رسالة الاسلام و الصلاة الى العالم كله، فالصلاة مبان و معان، و مشاعر و أعمال، فرض شعائري لإقامة حياة كاملة، و لذلك كان التنبيه الدائم بأن من لم ينته عن الفحشاء و المنكر لا صلاة له! و أين تكون هذه الفواحش و المنكرات؟! انها لا تكون في الصلاة و انما في الحياة 

و الناظر في سيرة المصطفى و صحابته يعرف مدى الإصابة و الفهم الصائب الذي حققوه في حياتهم للصلاة فكانت الصلاة حاضرة كل الخطوب، في كل المواقف الجليلة لتشكل المدد و الغوث و تجمع التوفيق و الرعاية الالهية للجهد البشري، فكانت سنة ركعتي الفتح و بمقابلها صلاة الخوف، صلاة الاستسقاء، صلاة الكسوف و غيرها و هي صلوات موجهة بأسماء فريدة لتربية الأمة على معان و ممارسات خاصة تلعب الصلاة دورا في توجيهها و نجاحها 

صوّب صلاتك و يغدو للصلاة معنى مختلف عندما يعم الفساد في الدنيا و تشوه صورة المسلمين فينتفي معنى العزلة و الاعتكاف ليحل محله بالوجوب فرضية التواجد و التأثير و السفارة و تمثيل الدين بأبهى صوره بفروسية في النهار في كل الميادين لمن يظهر على ملامحهم تبتل الليل و قيامه

صوّب صلاتك و يغدو للصلاة معنى مختلف و دماء المسلمين تراق كالماء و المسلمون يكتفون بزيادة الركعات و الدعاء دون ان يخلطوها بقطران الحركة و العمل و الجهاد بحدوده الدنيا و القصوى بحسب ظروف المكان و الزمان

صوّب صلاتك و كأن الصلاة سهم في كنانة الاسلام متى فهمتها و اتقنتها و اقمتها أصبحت قوة صائبة مسددة تبني الأمة و تضرب أعدائها في مقتل، فها هو الصحابي الذي كان على ثغر من ثغور الاسلام و رماه الاعداء بالنبال و هو يصلي فتحملها و لم يقطع حتى أحس بخطورة اقترابهم فقطع صلاته! صلى لله و قطع لله فكانت الصلاة و قطعها قوة و نصرا في ميزان الاسلام
صوّب صلاتك و كيف تصيبها و بصرك موجه للقبلة في المسجد الحرام و قبلتك الاولى محتلة مدنسة و أنت لا تفعل شيئا لتحريرها و لو بأضعف الإيمان؟ فهل فقهت ما تتلو في صلاتك من مكانة المسجد الاقصى أخو المسجد الحرام و النبوي؟ و هل تتجزء القدسية و الحرمة؟

صوّب صلاتك و كانت الصلاة هي تريراق الحياة للفاروق عمر فلما كانوا يريدوا ان يوقظوه من سكرات الموت و غشي الحمى بعد ان طعنه المجوسي كانوا يقولون له أقيمت الصلاة يا أمير المؤمنين فينتفض قائما حتى و هو يموت على سنة حبيبه الذي قال له ربه قم فظل قائما بمعنى الصلاة و هي عامود يقوم عليها الاسلام فكان اخر كلامه قبل ان يطلب الرفيق الاعلى: مروا ابا بكر فليصلي في الناس، أنفذوا بعث جيش أسامه و كأنه يوجه أنظارنا الى ثنائية من ثنائيات النصر و بناء الأمة، فالصلاة قوة و حياة و انطلاق و فتوحات
صوّب صلاتك و ليس من بأس أن نظل نتعلم كيف نقيم الصلاة حياة بعد أن أقمناها عبادة فبذلك فقط تكون في ميزان أعمالنا صائبة متقبلة يجبر أجر العمل بالصلاة وزر التقصير في شيء من واجباتها
تاريخ الاضافة: 06-11-2014
طباعة