الحاج راغب نعمان الخالدي (1866 -1951م)



الحاج راغب نعمان الخالدي

مؤسس المكتبة الخالدية
بقلم : أوس داوود يعقوب / خاص بمؤسسة القدس للثقافة والتراث
ولد الحاج راغب بن نعمان بن «الشيخ راغب» محمد علي السيد علي محمد بن الشيخ خليل بن الشيخ محمد صنع الله الخالدي، في مدينة القدس عام 1866م ودرس في مدرسة الحرم الشريف الأقصى، وأجازه الشيخ أسعد أفندي الإمام مفتي الشافعية والشيخ عبد القادر أبو السعود. وقد كانت عائلة الحاج راغب الخالدي تمتاز كونها مسؤولة عن  الأماكن المقدسة في القدس وإزالة الحشائش العالقة بها، لذا فهو يمثل الحلقة الأخيرة في سلسلة متوارثة من الشيوخ، ممن اتجهوا إلى دراسة الشريعة والعمل في المحاكم الشرعية في فلسطين. (*)
عُيّنَ في العهد العثماني عضواً في مجلس المعارف في محكمة البداية وعين في الحكومة التركية عضواً في مجلس المعارف التركي بالقدس، وبعد الاحتلال البريطاني دخل سلك القضاء المدني ورقي من قاض للصلح إلى قاضٍ أعلى وفي عام 1923م عين عضواً في محكمة مركزية حيفا ومن ثم نقل إلى يافا وأحيل للتقاعد في عام 1929م.
عاصر الحاج راغب كلاً من العلامة يوسف ضياء الدين (باشا) الخالدي..( 1842- 1906م) «رائد النهضة العربية الحديثة في فلسطين»، والعلامة روحي ياسين الخالدي (1864-1913م) «رائد البحث التاريخي الحديث في فلسطين»، وتعاون معهما، وهو يُعدُّ من أبرز الشخصيات الخالدية  في القدس، بالربع الأول من القرن العشرين.
وقد عرف عن الحاج راغب إنه ذو شخصية جريئة وحركية، وكان مثل معظم رموز عائلته من أنصار الإصلاح والدستور. فكتب بالصحافة الفلسطينية  تحت الحكم العثماني مؤيداً الإصلاح بالمحاكم الشرعية في فلسطين (يعقوب يهوشع)، ولما حدث الانقلاب على السلطان عبد الحميد سنة 1908م أخفى متصرف القدس الخبر عن الناس عدة أيام، فكان هو أول من أعلنه جهاراً على الناس.
وهو من أوائل موجهي الناشئة إلى التعليم المدني. فقد أرسل أولاده إلى الجامعة الأمريكية في بيروت وشجع أبناء الأسر الأخرى على الاحتذاء به. وأسهم هو وأولاده في تقدم البلاد علمياً وحضارياً. وله كتاب فريد عنوانه «مبدأ الخبر في مبادئ الأثر» طبع عام 1903م.
وقد ذكره الأديب اللبناني الراحل عجاج نويهض في كتابه «رجال من فلسطين»، فقال: «هو والد عدة من الرجال كلهم من مقدمي الرجال، بعضهم في العلم والفضل، وبعضهم الآخر في الأعمال الاقتصادية والادارية، منهم الدكتور حسين فخري الخالدي كبير الأخوة، وهو من أركان الحركة الوطنية في فلسطين تولى رئاسة الوزارة في الأردن سنة 1958م... والمربي الشهير أحمد سامح الخالدي وكانت وفاته في بيروت بعد الانهيار بقليل (يقصد النكبة) والدكتور حسن، وغالب ويعقوب. وتولى الحاج راغب أعمالاً مختلفة في العهد العثماني، والوظائف الشرعية في بيت المقدس كادت تكون كلها بأيدي الأسرة الخالدية منذ وقت طويل. كان الحاج راغب ينظر إلى المستقبل بعين يقظة فأقبل على تعليم أولاده، والتعليم العالي في ذلك الوقت مطلب نادر، وكأنه بهذا كان يتمم تقاليد البيت الخالدي وهي مواكبة حركة الزمن بعلوم العصر، وتغذية تليد التراث العلمي بكل طارف، والقافلة أبداً في مسير. وقد أفلح الحاج راغب وابناؤه في هذا، وأحفاده، وهم جميعاً من رجال الطليعة في الأردن وخارج الأردن. بلغني أنه لما أعلن الدستور العثماني سنة 1908م جاء نبأ هذا إلى القدس، حاول «المتصرف»، (الحاكم التركي)، أن يواري الخبر وراء ظهره لعلة ما فلم يذعه في الناس، وكثر التساؤل واسم عبد الحميد لم يزل مرهوباً، فلم يطق الحاج راغب هذا المتصرف، فبرز على ملأ من الناس ونادى بأن الدستور قد أعلن في الأستانة وسائر ديار المملكة، ولم يبال، فانكمش المتصرف وبهره ضياء الشمس. فكان الحاج راغب أول من أعلن الدستور في القدس. كانت وفاته أواخر 1952م بعد أن اكتوى بمصاب ولده المربي الباني، أحمد سامح»[1].

إسهامه في تأسيس المكتبة الخالدية
عاش الحاج راغب بين عصرين هم نهاية الحكم العثماني لفلسطين وكل عصر الاحتلال البريطاني، وبعد الاحتلال البريطاني سنة 1920م عين قاضياً للصلح، ثم قاضٍ أعلى، وفي سنة 1923م عين عضواً في محكمة مركزية حيفا ومنها نقل إلى مدينة يافا. وقد نجح في دخول المجلس التشريعي الفلسطيني الذي لم يستمر بسبب المعارضة العربية له «مذكرات نورمان بنتويتش»، كما استمر بسنوات الاحتلال البريطاني نشيطاً في الحياة السياسية، وكان من زعماء المعارضة في فلسطين. وفي منزله اليافاوي، أسس الحاج راغب مكتبة ذكرها الدكتور وليد أحمد سامح الخالدي، فقال: «أما مكتبة الحاج راغب في منزله بضاحية تل الريش من أعمال يافا حيث كان يقيم بعد تقاعده، فقد استولت عليها القوات اليهودية عندما احتلت المنزل في أيار/  مايو 1948م وضاعت معظم الكتب التي كان يملكها سائر أفراد الأسرة المقيمون بالقدس عندما احتلت القوات الصهيونية في نيسان / إبريل، وأيار / مايو 1948م منازلهم في أحياء القدس العربية الغربية حيث كانوا يقطنون وهو وما حدث أيضاً خلال عام 1948م لكتب الآلاف من العرب بالقدس وخارجها من أهل فلسطين»[2].
تذكر المصادر التاريخية أن الحاج راغب فطن إلى أهمية إحياء التراث العلمي في بيت المقدس، وحفظ إرث أجداده، وصيانة المخطوطات التي أضحت بوضع صعب، بعدما وقف على تلف الكثير من الكتب والمخطوطات،  فأقنع والدته بأهمية تأسيس هذه المكتبة، فقامت بإيقاف الأوقاف عليها.
وعمل على إنشاء المكتبة بمساعدة كل من يوسف ضياء باشا، وروحي ياسين الخالدي، ونظيف بيك الخالدي والشيخ خليل الخالدي، الذي طاف العالم الإسلامي لإحضار مخطوطات نادرة لتوضع بالمكتبة الخالدية، التي تتميز بحيازتها النسخة الأصلية الوحيدة الباقية من الجزء الرابع من مقامات الحريري، كما تضم المكتبة أجزاء من مجموعة كتب الشيخ محمد الخليلي  و فرامانات ، كالذي أصدره السلطان العثماني محمد رشاد الخامس في 22 تشرين ثاني (نوفمبر) 1914م، لإعلان  الجهاد  على دولة المسكوف (الإمبراطورية الروسية).
وما كان من الحاج راغب في هذه الفترة إلا أن كلّف السيد حسين حسني بن علي الخالدي القيام بعملية ترميم وتجليد لعدد كبير من المخطوطات، وصلنا منها حوالي سبعين مخطوطا، تم إنجازها خلال شهر المحرم 1309هـ/1891م0 ويبدو بأن أعدادا كبيرة من مجموعات المخطوطات التي شكّلت لاحقا المكتبة الخالدية قد كانت دشتاً، مما دعا الى أعمال تحضيرية، ومنها نشاطات حسين الخالدي الذي اصرّ على وضع جملة واضحة في نهاية كل مخطوط تخلّد عمله. وهذا ما كان بالفعل حيث شرع الحاج راغب في عام 1900م مع عدد من أفراد أسرته في تأسيس المكتبة، وبتوجيه من الشيخ طاهر الجزائري[3]، بحي باب السلسلة، في تربة بركة خان التي تضم في أصلها مجموعة قبور تاريخية. بأموال جدته خديجة بنت موسى الخالدي، وقد وضع وقفاً خاصاً لها هو حمام العين. (انظر ((حجة المكتبة الخالدية)) في القدس) [4]. وهي من أغنى مكتبات فلسطين بالمخطوطات والمطبوعات والصحف.
تاريخ الاضافة: 20-04-2014
طباعة