رَجـعـتُ إليـكَ بـعـد طُـولِ غِـيــَاب --- وبعـد ضَـيـاعٍ وتَـمَـزُقٍ وعَـــذَاب
سبعًاً وعشراً ًمـن السنيـن قَضَـيْتُهَا --- بإيـلامِ نَـفْـسٍ وَتَخَـاصُمٍ وعِـتـَاب
ألــوم نفسي لعمـرٍٍ قـد ضـاعَ منـي --- فسألتهـا عنـه ، فلـم أفـز بجـواب
أمَا كاَنَ أَحْـرَى أنْ أَعِشْ فِي مَوْطِنِي --- منعماً وَأَ تفَيَءُ فِي ظِـلاَلٍ لَهُ وَقِبَـاب
فأيامهــا قـــد عـــدٌدتـها بأصــابـعٍ --- ولياليها أحييتـهاْ وأحصيتها بحسـاب
كـم جبالٍ وبحورٍ عدّيّتها وعبرتها --- وحضارات مُدنٍ قابلتها وزرتها وبلاد
فلـم أَجــد فـي غيـر وجهــك حُـسنـاً --- ولم يكن غير ودٌك ملجـأً وصحـاب
بيروت لـدٌيَ . . عروس المدائـن كلهـا --- تجمّلت بزيّنةٍ وارتدت أجمل ثياب
فأنـت كالروح في جسدي وان فارقتها --- لَقَضـى عليهـا حُــزنا وعــاد تــراب
بيـروت ، يا بلـدَ الوفـاءِ تـقـبـلي ابنًا --- غــابَ عنـك ويرجــو إليـك مــآب
فَكَانَ كَنَسرٍٍ شَاخَ، فَشـرد عـن سربـه --- فهوى فَأصبح غراباً وليس عِقــَاب
فَـآنَ لَـهُ أَنْ يَثُــوبَ وَيهتــدي --- إلى ملاذٍ يُريحه من متاعب وصعاب
===========
فَعـادَ كَفـَرَخِ خائـفٍ يؤوب لعشهِّ --- أَو كسيفٍ أُعيدَ بعد حربٍ لِقــراب
فَبَانتُ لنا أَطْلالُكِ مِنْ بَيْنِ الغُيُـوم، --- وكنا نتهاوى ببطء فلامسنا الهضاب
وَترَاءت على شَواطئكِ عروس تتهادى --- كأمواجٍ تتداعى بدلال وتباهٍ وعُجاب
وينابيع تجري بزهو فتُغرّد وتُغنّيٍ --- كزقزقة طيرٍ يبحث عن طعامٍ وشراب
وبساتينكُ الغنَّاءُ تَرتديُ جلباباًأخضراً --- يَجُـوب فيهـا الطيـر مجيئـاً وذهــاب
ويعـبـق مـن روائحـكِ أَريـجٌ عاطــرٌ --- لونـهُ كوهـجِ نـارٍ أُوْقـِدَ مِنْ ثِـقــَاب
فقــتِ يوســف بصبــاه،جلالاً وحسنًا --- وتجَلٌيت فَكُنتِ كَمَلَكٍ وقـورٍ وَمُهـاب
ولقـد سـرقت مـن البـدور جمـالهـا --- فكنــت آيــةً مــا أُنــزلـت بكـتـاب
فحسبـت وكأَنّّني بُعثّـتُ فـي جنــة --- مــن جنــان الخلــد في يوم الحسأب
وتخيّلت حُـورَعِينٍ يُرافقُهّن ملائكة --- يتبخترنَّ وليس بينينا ستر وحجاب
ورأيت أَحبَّـة لي يتدافعـون لرؤيتي --- وهُـم في زَحمـةٍ ، فتَخطـو الرقـاب
وأَنّي قدمت إليهـم وبشوقٍ عانقتهم --- أَكـانَ هـذا وهــمٌ ويمضي كَســراب
آه، بيروت، رجعت إليكِ فلم أُصدّق --- أّهوَ حقيقة أّمْ حلمٌ مُخـادعٌ كَــذَّّاب
ربّي إنْ كان حقّاً، اجعلني أَصحو سرمداً --- وإنْ كان حلماً،دعني في سُبات أَحقاب