فلسطين في شعر عنترة بن أبي شدّاد

د. فايز أبو شمالة
أحب عنترة بن شداد ابنة عمه عبلة، أحبها، وتولّه من أجلها، وهام فيها شوقاً، حتى أمست قوس قزحٍ يتماوج أمام عينيه العاشقتين، وأصبحت نسمة الصبا التي تلامس جبينه، بل تخيل عنترة أن الشمس لا تشرق إلا لتضيء وجنتي الحبيبة، وأن المطر لا يتنزل ليرش الأرض، وإنما يتهادى ليرطب شفتيها الذابلتين.

يجول في ذهني سؤال: هل حب عنترة الجارف لعبلة جعل منه مقداماً لا يهاب الموت، وجسده بطلاً صنديداً في المعارك، أم أن شعور عنترة بالقوة والرجولة العاصفة جعله يزهو على أمثاله، ويتقدمهم ليطمع في عشق القلب الطري الذي يقدس البطولة؟
http://www.e-msjed.com/msjed/site/TopicUploads/426201094234Ppalestine_flag.gif

يجيب عنترة بن شداد نفسه على سؤالي هذا، حين يقول لحبيبته عبلة:

يُخبركِ من شَهِدَ الوقيعةَ أنني        أغشى الوغى، وأعفُّ عند المَغنمِ

إنه يستعرض مكارم أخلاقه أمام حبيبته، إنه يتقدم إليها بصفته مضحٍ بالنفس من أجل وطنه، إنه مقاتل، لا يهاب الموت، ولا يطمع في سقط المتاع الذي يطمح إليه الآخرون.

ولكن عبلة امرأة، وقد تعنيها هذه الصفات الحميدة في الرجل، إلا أنها تفتش عن نفسها، وتسأل عنترة: أين أنا في خضم المعركة؟ إن الأبطال كثرُ في ديارنا، والمنافسون على حبك لي كثرُ، وأنا امرأة تفتش عن مكانها في قلب حبيبها أولاً، أين أنا يا عنترة؟

يرد عليها عنترة بن شداد، ويقول لها، أنت معي في المعركة:

فَوددتُ تقبيلَ السيوفِ لأنَّها        لمَعتْ كبارقِ ثغرك المُتبَسِّمِ

هنا أدركت عبلة صدق مشاعر الحبيب عنترة، الرجل الذي يندفع إلى السيوف البيضاء اللامعة، ويود تقبليها، ظناً منه أنها أسنان الحبيبة، التي انجلى عنها ثغرها المتبسم لضربات سيفه. وفي تقديري أن التفكير في الحبيبة أمر بديهيٌ لحظة ملاقاة الموت.

سأقرر في مقالي هذا حقيقة يدركها كل عاشق، وتقول: إن الحب يصنع البطولة، ويدفع الرجال لملاقاة الشهادة مبتسمين، وإن البطولة في مواجهة العدو ترفع من شأن الرجل الشهم، وتتسلل إلى قلبه فيض حنانٍ، يدق بالحب الذي لا يشعر فيه القاعدون.

ولكن لو سألني القارئ: نحن في شهر رمضان؛ ما علاقة عنترة بن شداد وحبه العنيف لعبلة بقضيتنا الفلسطينية؟

 أقول: إن حب الوطن لا يضمن للمحب أن يفوز به، حتى لو أعلن عن هذا الحب داخل أروقة الأمم المتحدة، في شهر أيلول، إن الحب الذي لا يترافق مع القوة والتضحية هو حب العجزة والمقصرين، حبٌّ لا يثير وجدان الحبيبية، ولا يخطف لبها، طالما يصعب التفريق بين الأرض والمرأة، فكلتاهما تعشق الرجال الأبطال، وكلتاهما لا ترضى حبيباً لقلبها غير المقاوم؛ الذي يغشى الوغى، ويَعِفُّ عند المَغْنَمِ.
تاريخ الاضافة: 18-08-2011
طباعة