مصر•• وعودة الروح

قلم: المهندس إبراهيم غوشة - جريدة المجد الأردنية
مرّ مصر هذه الأيام في واحدة من محطاتها المشرقة التي شاء الله أن أعيش معها:
- المحطة الاولى: ثورة 23 يوليو عام 1952 وإنهاء حكم فاروق الفاسد.
- المحطة الثانية: التصدي للعدوان الثلاثي (بريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني) في 29 اكتوبر/ تشرين الاول عام 1956.
- المحطة الثالثة: حرب رمضان واقتحام خط بارلي في سيناء في 6 اكتوبر/ تشرين الاول عام 1973.
- المحطة الرابعة: ثورة 25 يناير/ كانون الثاني عام 2011 ضد حسني مبارك انطلاقاً من ميدان التحرير.
عندما جرى العدوان الثلاثي على مصر في 29/10/1956 كنت طالباً في السنة الإعدادية في كلية الهندسة/ جامعة القاهرة بعد أن قدمت التوجيهي في المدرسة النهارية في باب الحديد قبلها بعام واحد.
تحرك الشعب المصري آنذاك عن بكرة أبيه للدفاع عن أرض الكنانة وبدورنا توجهنا للرابطة الفلسطينية قرب ميدان مصطفى كامل للتطوع وكنا حريصين في ذلك الوقت أن يدربنا بطل القدس القائد عبد الله التل وكان مقيماً في القاهرة، ولما لم يتوفر ذلك، قام ضابط مصري بتدريبنا على السلاح، وكان لي الشرف مع اخوة آخرين لحمل السلاح لمدة ثلاثة أسابيع دفاعاً عن مصر العزيزة.
لا أنسى معاملة المصريين لنا وسرورهم بأن أبناء الشام كما كانوا يسوموننا، يقفون بجانبهم دفاعاً عن مصر، فيرفضون قبول نقودنا سواء لشراء بعض حاجاتنا أو أجرة للأوتوبيس. ولا أنسى تلك الروح الجهادية في كل مكان وأنت تسير في شوارع القاهرة وأناشيد "الله اكبر فوق كيد المعتدي" وغيرها، وهي تصدح في الشوارع.
هذه الأيام فوجئنا بعد ثورة تونس في 17/12/2010 وانتصارها في 14/1/2011 بثورة ميدان التحرير في القاهرة يوم 25/1/2011  !
كانت ثورة للشباب ضد النظام الاستبدادي لحسني مبارك ومنذ ثلاثين عاماً. وهذه المرة أيضاً لم تُشعل هذه الثورة الأحزاب وإنما شباب يريد أن يعيش حراً كريماً بعيداً عن القمع والفساد، ومستخدماً فضاء الانترنت للإعداد وللانطلاق، ثم التحقت بهم بقية الأحزاب في جمعة الغضب في 28/1/2011 ثم في جمعة الرحيل في 4/2/2011 وبقية الأيام.
انتشرت الثورة في الاسكندرية والسويس وجميع محافظات مصر وقدّمت حتى تاريخه حوالي (400 شهيد) وخمسة آلاف جريح.
وتصدّت بكل شجاعة للأمن المركزي والمباحث والبلطجية سلاح وزير الداخلية الحبيب العادلي سيء الذكر، ودخل اسبوع الصمود يوم الأحد والثلاثاء والجمعة وفي اليوم الخامس عشر من انطلاقها ودخولها الأسبوع الثالث أخذت تخرج من ميدان التحرير لتكسب مواقع جديدة وأرضاً جديدة حول مجلس الشعب والشورى ومجلس الوزراء والداخلية في مدينة القاهرة وتبسط يدها على نقابتي الصحافيين والمهندسين ودار روز اليوسف وغيرها، والتحق بها أساتذة الجامعات والعمال والموظفون، وخاصة أن حوالي 8 ملايين من الشعب المصري خرجوا لدعم الثورة في جميع محافظات مصر وهم يمثلون 10% من تعداد المصريين.
انضمت الأحزاب وكذلك الإخوان للثورة ودفعت حركة الاخوان بشبابها وفتياتها للالتحاق بالثورة ولجان حماية الشوارع والبيوت والمشاركة بتنظيم فعاليات ميدان التحرير وبهدوء وفعالية ولم تستطع الحملات الخارجية أو الداخلية من التركيز عليهم، ولكن بعد جمعة الرحيل ظهر رموز حركة الاخوان بصورة متعجلة ومع أن الهتاف الشعبي وهو برنامج الثورة أيضاً "الشعب يريد إسقاط النظام" وأن الحوار أو التفاوض يجب أن يتم بعد إسقاط النظام، أي إسقاط مبارك ونائبه ورئيس وزرائه وإلغاء قانون الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين وتغيير الدستور وغيرها، فوجئ المراقبون بأن الأحزاب والاخوان التقوا مع عمر سليمان تحت صورة حسني مبارك !
وفي تقديري انها خطوة متسرعة وغير مدروسة وغير صحيحة، فعمر سليمان هو الذراع الحديدي لحسني مبارك وهو رجل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والعدو الألد للاخوان ولحماس. أليس هو من اسهم في إجهاض انتفاضة الاقصى مع شارون ؟ وحاصر قطاع غزة ؟ وبنى الجدار الحديدي ؟ وتآمر مع باراك على العدوان الاجرامي على قطاع غزة في نهاية عام 2008؟
أليس هو محترف الحوار ومفتت المقاومة منذ 2005 ؟ ومبتكر الورقة المصرية للمصالحة؟
إن كل الممخلصين يأملون بعد سقوط الطاغية، بدعم من الاخوان لانجاح ثورة 25 يناير/ كانون الثاني في بناء حكم ديموقراطي وطني حر يعيد مصر لقيادة الأمة العربية بعد إلغاء اتفاقية العار، اتفاقية كامب ديفيد، وفتح أبواب المقاومة في قطاع غزة والضفة الغربية وفلسطين الـ 48.
ونصيحتي لرموز الاخوان في مصر باطلاق يد شباب الاخوان للعمل الثوري وهم مكوّن رئيس لشباب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني.
وقد لاحظنا أن سلطة عباس قد قمعت أي تحرّك في رام الله لدعم الثورة في مصر لأن حليفها حسني مبارك هو الداعم العربي الكبير لمفاوضاتها الخيانية مع العدو الصهيوني، كما نستغرب أن تقوم حكومة هنية بعدم تشجيع شعب القطاع لدعم ثورة الشعب المصري الذي لم يقصّر، وفي مقدمتهم الاخوان، في التظاهرات والاعتقالات وإرسال المساعدات للقطاع لفك الحصار الظالم على قطاع غزة.
إننا ندعو الله بعد رحيل حسني مبارك، أن يوفق ثورة الشباب والشعب المصري لتحقيق أهدافه في نيل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والديموقراطية والتعددية والعدل وبناء مستقبل مصر الزاهر ليفتح أبواب التحرير في كل من فلسطين ولبنان والعراق وغيرها.
تاريخ الاضافة: 19-02-2011
طباعة