« و كان لنا وطن لأشعلنا القناديل صباح مساء الشاعر الفلسطيني خميس لطفي: حق العودة هو جوهر صراعنا »








لكن انتفاضة الأقصى ومواكبة المنتديات الإلكترونية الناشطة، غيّرتا مساحات الضوء والشهرة، ونقلتا الإبداع إلى مرحلة جديدة. ولعلّ أكثر القصائد التي أثارت الجدل، هي تلك القصيدة الشهيرة التي نسبها رواد الإنترنت إلى الشاعر الكبير أحمد مطر، أعني بها قصيدة «شتْ أبْ»، لكن حملةً إلكترونيةً قام بها أصدقاء الشاعر ردّت له بعضاً من حقوقه فيها!     
الشاعر خميس (هكذا عُرف في البداية)، لديه ثلاث مجموعات شعرية هي: «وطني معي» و«عد غداً أيها الملاك» و«فوق خط التماس».. بالإضافة إلى موقع الإنترنت الخاص به، الذي يتضمن كل قصائده ويتجدد مع كل قصيدة ينشرها. مجلة «العـودة»، أجرت مع الشاعر هذا اللقاء الممتع، فكان الحوار الآتي:
«العـودة»: كيف يمكن الشاعر خميس لطفي أن يعرّف عن نفسه للقراء شعراً؟
دعني في البداية أرحب بك أخي العزيز وبالقراء الأفاضل، شاكراً لكم استضافتكم الكريمة لي، ومتمنياً لمجلتكم الرائعة وللقائمين عليها كلَّ تقدمٍ ونجاح إن شاء الله. وفي ما يتعلق بسؤالك الصعب والجميل، أرجو أن تسمح لي باقتباس بعض أبيات قصيدتي الأخيرة «الآن يا حبُّ تأتي؟!»، وهي قصيدة وجدانية أخاطب فيها الحبّ قائلاً:
أنا الذي في شبابي، كنتُ ممتلئاً
زهْواً، وفي الأرض أمشي دائماً مَرَحَا
وكنتُ خلفكَ أجري دونما كللٍ
حتى انتبهتُ، فإذ بالعمر قد نزحا
نسيتُ نفسي، ولم أعملْ لآخرتي
وسيئاتي، بها الميزانُ قد طفحا
وها أنا اليومَ، أشكو من رُعاش يدي
إذا مددتُ بها كي أمسكَ القدحا!
أنا الذي باتت الأعصابُ تخذلني
أتيتَ تفسدُ لي ما فيَّ قد صلُحا
أنا العليلُ المعافى، كيف أنعتني؟
ولم أجد بعدُ، لي نعتاً ومصطلحا
«العـودة»: في قصيدتك «من أين يأتي الشعر؟»، هل نقرأ فيها رؤية فلسفية في شكل شعري، أم هو السؤال المتجدد في نفوس الشعراء؟
بصراحة، لم أقصد في تلك القصيدة الإجابة عمّا وصفتَه بـ«السؤال المتجدد في نفوس الشعراء»، بقدر ما أردتُ التعبير عن حالة الإحباط التي يمرّ بها كثير من الشعراء العرب والفلسطينين هذه الأيام، بسبب الأوضاع السياسية القائمة في فلسطين. نحن مقتنعون بأننا نكتب الشعر لأسباب عديدة ومختلفة، من بينها رغبتنا في التغيير وخلق ثقافة وطنية جمعية لكوننا نعيش في مرحلة تحرر وطني، ولذلك فالترف الفكري هو آخر أسباب الكتابة لدينا، ورغم ذلك نمرُّ أحياناً بلحظات عصيبة وعابرة نُسفِّه خلالها كل ما نكتبه، ونعيد على أنفسنا طرح ذلك السؤال الأزلي: لماذا نكتب؟ وما هي الفائدة مما نكتبه؟ وقد يرجع هذا «التناقض» الذي نشعر به، أحياناً، إلى عدم رؤيتنا لآثار ملموسة لما نكتبه على أرض الواقع، ما يدفعنا بالتالي إلى التساؤل عن آثار الكتابة وهل هي ملموسة (دائماً)؟ وكيف؟ ومن دون الخوض في تفاصيل الإجابة عن سؤالي الأخير هذا، أرى أنه يستحسن، في نهاية المطاف، أن يتخيل الشاعر وجود تلك الآثار، وأن يحاول التعايش الإيجابي مع تلك «الهواجس» التي تنتابه أحياناً.
«العـودة»: من ديوان «وطني معي» إلى ديوان «فوق خط التماس»، أين تطورت التجربة الشعرية لديك؟
الأكيد هو أنني أصبحت أكثر حذراً وأقل كتابة، ولا أدري إن كانت تجربتي الشعرية قد تطورت أو لا، بالرغم من أنني أنظر بعين الرضى إلى (بعض) قصائدي القديمة والجديدة أيضاً، كذلك فإنني ما زلت أعدّ نفسي هاوياً، ولست محترفاً كتابة الشعر.
«العـودة»: تكتب قصيدة التفعيلة بانسيابية جميلة، وبسهولة لا تخلو من عمق في المضمون.. هل تجد نفسك قريباً منها أكثر من القصيدة العمودية؟ وما رأيك في الجديد المسمى «قصيدة النثر»؟
أشكرك على رأيك الذي أعتز به، وأرجو أن أكون عند حسن ظنك. وفي ما يتعلق بسؤالك الكريم، لا أشعر بأن قصيدة التفعيلة، التي أكتبها، أقرب إلى نفسي من العمودية، فلكلٍّ جمالها الخاص والمختلف. وعندما تأتي القصيدة، تأتي فارضة شكلها الخاص بها، ويبدو لي أن ما تُسمى «قصيدة النثر» أصبحت بحاجة إلى تصنيف جديد، فهي من جهة ليست قصيدة لأنها تفتقر إلى الإيقاع، ومن جهة أخرى ليست خاطرة ولا مقالة، وهذا كله لا يقلل من شأنها أبداً، فهناك نصوص نثرية فائقة الجمال يظلمها أصحابها عندما يعدّونها شعراً.
«العـودة»: تحمل وجع اللجوء في شعرك، وكتبت عشرات النصوص في ذلك.. أخبرنا: هل ينطفئ قنديل الشاعر بالألم أم يحاول أن يشعله بالقصائد؟
لو كان لنا وطن لأشعلنا القناديل صباح مساء، ولكتبنا في مختلف مواضيع الشعر، لكننا للأسف إما مشتتون في بقاع الأرض أو نرزح تحت نير الاحتلال، وما نفعله بقصائدنا ما هو إلا محاولات لتخفيف آلام الغربة والاحتلال، وتصدير رؤيتنا إلى الأجيال القادمة.
«العـودة»: كيف تقرأ المشهد الثقافي الفلسطيني في وقتنا الحالي؟
لا شك في أن المشهد الثقافي الفلسطيني يتأثر كثيراً بكل مرحلة سياسية تمرّ بها القضية الفلسطينية، ويتأثر أيضاً بالوضع السياسي القائم في فلسطين. وعندما كان المثقفون الفلسطينيون في الماضي يعبّرون عن قضية تحرر وطني محلّ توافق داخلي ودعم عالمي، تميّزوا بحضور فاعل وقوي في المؤسسات الثقافية والأكاديمية والحركات السياسية العربية والعالمية أيضاً، وكان للإبداع الفني بمختلف أنواعه حينها، أثر نضالي يفوق أثر القنبلة والعملية الفدائية. أما اليوم، في ظل التشرذم السياسي والانقسام الأيديولوجي القائم في فلسطين، وبعد أن نخر فيروس السلطة والثروة والتنسيق الأمني عظم السياسيين، بينما الشعب محبط ومشغول بتحصيل قوته اليومي، انكفأ بعض -وربما كثير من- المثقفين الفلسطينيين على أنفسهم وتراجع حضورهم في المشهد الثقافي الفلسطيني، معتبرين أن الكلمة أصبحت فتنة، أو فعلاً عبثياً، وأن السلطة القائمة لا تعبر عن تطلعاتهم الوطنية ولا تجسد رؤيتهم لمشروعهم الوطني، وبدأوا يبحثون عن مواضيع مختلفة (غير وطنية) لإبداعاتهم، ما سمح لكثير من المتسلقين وأشباه المثقفين بملء الفراغ ومحاولة تجميل القبيح من الوجوه والمواقف. وعندما يتوه السياسي ويفشل، يصبح دور المثقف في الحفاظ على الهوية، وحماية الثقافة الوطنية، ورفع الروح المعنوية للشعب، أكثر إلحاحاً وصعوبة وأهمية من أي وقت.
«العـودة»: ما هي القصيدة الأثيرة لدى الشاعر خميس لطفي؟
بصراحة، لدي أكثر من واحدة قريبة إلى نفسي، رغم أن آراء القراء قد لا تتفق مع رأيي في ذلك، وبينها عامل مشترك، وهو الدموع التي شاركتني في كتابتها، ومن بينها «لماذا قطعت الطريق عليَّا؟» و«ملك الكمان» و«ما لم يقله ملك الكمان»، وقصيدتي الوجدانية الأخيرة «الآن يا حب تأتي؟!».
«العـودة»: عرفناك من خلال نشرِك القصائد على الإنترنت، بدءاً من المنتديات الحوارية حتى موقعك الرسمي.. كيف تجد الفرق بين الواقع الشعري على الأرض والافتراضي على الإنترنت؟
هناك فروق، وأوجه عديدة للمقارنة، بين الواقع الشعري على الأرض والإنترنت، فمن حيث الانتشار ليس كل الشعراء المعروفين على الإنترنت هم كذلك على أرض الواقع، والعكس صحيح أيضاً. أما من حيث ردود أفعال القراء، فهي على الإنترنت أسرع، وكذلك يمكننا المقارنة بين الواقعين من حيث السرقات الأدبية، والندوات الشعرية، ومؤسسات الطباعة والنشر والتوزيع وغيرها، وبالرغم من أن بعض هذه الفروق تتحجم مع مرور السنين بسبب انتشار الإنترنت المستمر، سيبقى بعضها قائماً بدون شك.
«العـودة»: مفتاح العودة، له صورة بارزة في موقعك الإلكتروني.. حدثنا عن هذا المفتاح وقصتك معه.
المفتاح بالنسبة إليّ، رمز لقضية فلسطين برمتها، التي هي بالأساس قضية لاجئين وقضية شعب طُرد من أرضه، وما زال رغم مرور أكثر من ستين عاماً، يحلم بالعودة إليها.. المفتاح بحد ذاته لم يعد دليلاً على أي شيء، ولا إثباتاً لأي شيء، فالأبواب تبدلت، لكنه ساعة منبه، وناقوس ذكرى، ووصية الأجداد والآباء لأبنائهم، ونقطة جاذبية تشدنا نحو جذورنا، وتذكرنا بأن لنا وطناً ينتظر عودتنا.
«العـودة»: كيف ينظر الشاعر الفلسطيني إلى قضية حق العودة؟ وكيف يمكن أن يساهم من موقعه في الحفاظ على هذا الحق؟
حق العودة هو جوهر صراعنا (الذي، برأيي، لا حلَّ سلمياً له) مع الصهاينة، وهو حق فردي، لا يجوز لأية جهة مهما كانت، أن تتنازل عنه، وصراعنا مع الصهاينة هو صراع على الوجود، وعودتنا تعني بالضرورة رحيلهم عن أرضنا، ومهمة الشعراء والمبدعين عموماً هي الاستمرار، في كل مناسبة، في تأكيد ذلك الحق، وترسيخه في أذهان الأجيال القادمة من خلال أعمالهم الأدبية والفنية.♦
يقولون: «ماتوا..
ومن لم يموتوا فقد كبروا،
وعلى قاب قوسٍ وأدنى،
من الموت، باتوا
وأما الصغارُ: فليستْ لديهم هنا ذكرياتُ
سينسَوْنَ ما قاله الميتونَ،
ويحيَوْنَ حيث همُ، وستمضي الحياةُ».
(...)
وللمرة الألفِ،
تسقطُ مائدةٌ من سماء الكلامِ،
عليها فُتاتُ !
كعادتهِ، منذ ستين عاماً
يسيرُ إلى الخلفِ، حين يسيرُ
ويسخر منهُ،
ومن راكبيهِ المشاةُ
ويصرخ فيه الشتاتُ:
أتنسى البحارُ شواطئها، والعصافيرُ
أعشاشها ؟
وبلا جذره هل يعيش النباتُ ؟
 أينسى المحبون أوَّل حبٍ لهم يا غزاة؟
هنا الرملةُ، اللدُ، يافا، الجليلُ،
القبابُ، هنا زكريِّا
هنا اللاجئونَ،
هنا اللاجئاتُ!



» تاريخ النشر: 17-09-2010
» تاريخ الحفظ:
» رابطة المعلمين الفلسطينيين في لبنان
.:: http://palteachers.com/ ::.