معتصم حمادة
تبدو الحالة الفلسطينية في مرحلة من عدم اليقين في ظل تعدد البرامج السياسية وغياب الإجماع على برنامج يوحد هذه الحالة ويقدمها إلى الرأي العام، بما يمكنها من استقطاب التأييد وعناصر القوة الضروريين.
فهناك من يتمسك بالبرنامج القائم على المرحلية، والداعي لدولة فلسطينية، في حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم، على طريق الحل الناجز للصراع مع العدو بقيام دولة ديموقراطية "للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي" على كامل تراب فلسطين الانتدابية.
وهناك من يرى في "حل الدولتين" الطريق الأقصر للتسوية، خاصة أن القرارات الأخيرة للأمم المتحدة تتحدث عن "حل الدولتين" لقيام السلام في المنطقة. غير أن هذا الحل، ينص على صيغة غامضة لقضية اللاجئين، إذ يتحدث تارة عن حل بموجب القرار 194، دون الدخول في التفاصيل، تاركاً الأمر للعملية التفاوضية نفسها، وتارة أخرى يستعير ما جاء في مبادرة السلام العربية، بالدعوة إلى حل "عادل ومتفق عليه"، وهو ما كان ورد في كتاب شمعون بيريس "زمن السلام" في طبعته الفرنسية عام 1993 وترجمت أجزاء منه إلى العربية تحت عنوان "الشرق الأوسط الجديد". المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي تجري حالياً تحت سقف هذا "الحل".
ثمة قوى وتيارات لم تعد ترى في الوقائع المستجدة، خاصة انتشار الاستيطان في الضفة و القدس، ما يمكِّن من إقامة دولة فلسطينية متصلة قابلة للحياة. كما ترى في المفاوضات الجارية حالة من العبث السياسي. لذلك تقفز إلى الأمام، داعية إلى تجاوز "المرحلية"، وحل "الدولتين"، والذهاب دفعة واحدة إلى "الدولة الواحدة"، دون المرور بالحلول المرحلية.
أصحاب "الدولة الواحدة" ينقسمون هم أيضاً إلى قسمين. الأول يدعو إلى الدولة الواحدة، عبر الحل الديموقراطي للصراع بين "الشعبين"، ويرون في ذلك إحراجاً لإسرائيل أمام الرأي العام العالمي، وإعادة صياغة للحالة الفلسطينية، من كونها مفاوضات بين "دولتين" إلى كونها حركة تحرر بهدف المساواة القومية على غرار حركة التحرر في جنوب إفريقيا ضد نظام الفصل العنصري. أما الثاني فيدعو إلى دولة "ثنائية القومية"، لكل قومية مؤسساتها الخاصة بها، تتوحدعلى مستوى الدولة الواحدة بصيغة متوازنة في التمثيل القومي لكلا الطرفين.
أصحاب "الدولة الواحدة"، بالاتجاهين، يعتقدون إن هذا المشروع يوفر حلاً "للشعبين" بطريقة متوازنة بما في ذلك عودة اللاجئين الفلسطينيين وتنظيم "عودة" اليهود في ظل النظام الجديد القائم على الديموقراطية.
في خضم هذا النقاش، يتفرع الجدل الفلسطيني، بما في ذلك الدعوة إلى وقف المفاوضات، وحل السلطة الفلسطينية بما يعيد مسؤولية إدارة المناطق المحتلة إلى الجانب الإسرائيلي وإعادة تقديمه إلى الرأي العام كطرف قائم بالاحتلال، واللجوء إلى النضالات الديموقراطية تحت شعارات إنسانية ذات قدرة على استقطاب التأييد العالمي لعدالة القضية الفلسطينية وعدالة حقوق أصحابها.
هذه التعددية في الرؤى السياسية لحل الصراع مع الجانب الإسرائيلي من نتائجها، افتقاد القوى المعارضة للمفاوضات بشروطها الجارية القدرة على تقديم البديل العملي، كما من نتائجها، إحداث بلبلة في الرأي العام الفلسطيني وتشتيت الوعي، وتوفير الفرصة للمفاوض الفلسطيني للذهاب في مشروعه، رغم عقمه التاريخي، بعيداً عن أية مساءلة إن من جانب المؤسسة أو الرأي العام ونخبه الاجتماعية المشتتة والتي تفتقد لأدوات تنظيم دورها المطلوب في صناعة مستقبل الفلسطينيين.
المصدر: النهار