.

عرض المقال :في مخيم ضبية ثمة فلسطينيون فقراء ومنسيون

  الصفحة الرئيسية » ركـن المقالات

في مخيم ضبية ثمة فلسطينيون فقراء ومنسيون



النهار:
نادت سيارة أجرة لتقلّها وحماتها المريضة من المستشفى إلى البيت. طلبت من السائق إيصالهما إلى مخيم الفلسطينيين في ضبية. نظر السائق إليها برعب، ورفض للتو. أعادت المحاولة مع سائقين آخرين، مرّات عدة، إلى أن وجدت من يوصلهما إلى مدخل المخيم في أسفل التل. كان عليهما مواصلة السير صعوداً، تحت الشمس الحارقة، لتصلا إلى منزلهما الصغير في أحد أحياء المخيم الأربعة.
سبق لي أن زرت هذا المخيم في ما مضى. هو الفقر مجسَّداً. أطفال بوجوه وأسمال متألمة. أزقة ضيقة. بيوت بسقوف من إترنيت. مجارير تنسال في قنوات تحاذي المنازل. مراحيض مفتوحة على الغارب. كثير كثير من المهجرين اللبنانيين في زمن الحرب الأهلية، والقليل القليل من الفلسطينيين الذين بني المخيم لأجلهم إبان موجة التهجير عام 1948.
من صور ذلك الزمن، تلك الأم الثكلى تبكي ابنها الذي استشهد في الحرب. كانت تنام كل يوم على صوت تسجيل رثائه يوم دفنه. أذكر أيضاً ذلك الشاب المدمن الذي كان يعاني، محاولاً التخلص من آفته، بدون جدوى. باع أثاث منزله لشراء المخدرات، وتخلّت عنه عائلته ليصبح وحيداً معدماً. في المنزل المجاور كانت تسكن جارته التي هجرها زوجها وتركها مع طفلين من دون مورد مالي.
نعم، هذا ما أذكره من مآسي سكان المخيم يومذاك.
في الآونة الأخيرة، تعرفتُ إلى شاب يقطن هناك، اسمه هشام. هو من عائلة فلسطينية حصل أفرادها على الجنسية اللبنانية في خمسينات القرن الماضي في عهد الرئيس كميل شمعون. أعربتُ له عن رغبتي باكتشاف تلك المنطقة مجدداً، وقد علمتُ أن الكثير من الفلسطينيين عادوا إلى هناك. رحّب بالفكرة وعرض عليَّ مرافقتي.
أتى إلى ملاقاتي في اسفل المخيم حيث طلب مني ركن سيارتي في الباحة قرب الكنيسة. ورحنا نتمشى في أرجاء المخيم، كأنني أزوره للمرة الأولى! الأحياء الأربعة لا تزال هي هي، لكن المنازل تغيّرت. بعضها يوحي بأناقةٍ ما، وأصبح للكثير منها سقوف تعلوها خيم من الإترنيت، وقد عمد سكانها إلى إضافة غرف أو باحات شيّدوها على حافة الطرق. اختفت المجارير المفتوحة، وهُدمت المراحيض المشتركة وتحولت أماكنها مواقف سيارات. أما الأدراج الكبيرة التي تصل الأحياء الأربعة بعضها بالعبض، فلا تزال هناك. ثمة أيضاً ممرات ضيقة ومتعرجة بين البيوت، تشعرك كأنك في منزل واحد كبير، حيث تخرج من شرفة إلى شرفة أخرى تطل على غرفة نوم في منزل آخر، أو على غرفة جلوس، أو مطبخ. تمشي بين تلك البيوت، لكأنك تشارك قاطنيها السكن. الكل يعرف الكل تقريباً، والكل يسلَم على الكل، والكل يشارك الكل في قصصه وأمور حياته.
وصلنا إلى منزل هشام، الذي درس التصميم المطبعي، ويعشق الألوان والصور والتمثيل والغناء. صعدنا الدرجات الصغيرة التي زرعت على حافتها أحواض من نباتات متعددة، إلى حيث الباحة الصغيرة. هناك التقينا زهيّة، وهي من بين اللاجئين الأوائل. كانت في السادسة عشرة من عمرها يوم هربت مع عائلتها من فلسطين عام 1948، بعد إعلان قيام دولة إسرائيل. تروي زهيّة أن الرعب ملأ قلوب الفلسطينيين وقتها، وسيطر الخوف عليهم ولم يعودوا يعرفون بمن يثقون، فقرر الكثر اللجوء لأيام معدودة إلى لبنان، على أن يعودوا حين تهدأ الأمور. تتذكر أن ذلك حصل في فترة عيد الفصح، ذلك أن والدتها تركت حلويات العيد في المنزل ولم تُحضر منها إلا القليل، ظناً أن المكوث في لبنان سوف لن يطول.
تعيش زهيّة وحيدة. مات أهلها، وهي لم تتزوج. ، تزوج إخوتها، فقدت بعضهم، وهاجر بعضهم الآخر. كان لها صديقة واحدة هي جدة هشام، توفيت منذ سنتين. تأتي زهية إلى هنا، حيث تجد الحب والإهتمام من نبيلة، أم هشام، وكل أفراد العائلة.
جلسنا في تلك الباحة نتحدث عن المخيم وأهله وعن العادات الفلسطينية، وكيف أن السكان هنا يسعون أحياناً لإحياء تقاليدهم. تحدثنا عن المطبخ الفلسطيني وعن أطباقه المميزة مثل المناقيش بالحرّ، والمحمّر والمغربية والكعك الأصفر والزلابية المنكهة بالمطيبات. تقول نبيلة أنه يجب المحافظةعلى العادات ونقلها إلى الأجيال المقبلة.
تحدثنا عن الأحوال المزرية للفلسطينيين، فهم يعانون الأمرّين لإيجاد فرص عمل، وكم يصعب عليهم أحياناً التخصص في مجالات مثل الطب والهندسة والمحاماة إذ لا يحق لهم ممارسة مثل هذه المهن في لبنان. تقول نبيلة إن الفلسطيني يعيش ويعمل ويصرف أمواله في هذا البلد. وإذا هاجر، فإنه يرسل المال إلى ذويه هنا. هو يساهم في اقتصاد البلد، لكن التعامل معه يظل مجحفاً ومهيناً أحياناً. بمجرد أن تذكر كلمة مخيم، تقفز إلى الذهن صورة البؤر الإرهابية والأسلحة والتطرف والخارجين على القانون.
في مخيم ضبية فلسطينيون منسيون، يريدون العيش بكرامة.
يتوافد اليوم إلى هناك الكثير من اللاجئين السوريين، يستأجرون غرفاً صغيرة بمئات الدولارات شهرياً، وتعمل المراكز الإجتماعية لتأمين مساعدات لهم.
إذا حالف بهية الحظ، وباقي سكان المخيّم المعوزين، حصل الواحد منهم على خمسة آلاف ليرة شهرياً وبضعة كيلوغرامات من الحبوب، في انتظار... العودة إلى فلسطين.

 « رجوع   الزوار: 1266

تاريخ الاضافة: 06-07-2013

.

التعليقات : 0 تعليق

« إضافة مشاركة »

اسمك
ايميلك
تعليقك
8 + 9 = أدخل الناتج

.

جديد قسم ركـن المقالات

«الأونروا» أمام اختبار العجز والهدر

آثار قاسية يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان.. ممنوعون من البناء في المخيمات والتملك خارجها

«كلاوس» تؤكد على أولوية إصلاح التعليم ورفع جودة التعليم في مدارس «الأونروا»

لاعب كويتي ينسحب من بطول المبارزة العالمية في بلغاريا

الشاعر الفلسطيني ياسر الوقاد يفوز بجائزة مسابقة الكتابة الموجهة للطفل على مستوى العالم العربي 2023

القائمة الرئيسية

التاريخ - الساعة

Analog flash clock widget

تسجيل الدخول

اسم المستخدم
كـــلمــة الــمــرور
تذكرني   
تسجيل
نسيت كلمة المرور ؟

القائمة البريدية

اشتراك

الغاء الاشتراك

عدد الزوار

انت الزائر :286192
[يتصفح الموقع حالياً [ 113
تفاصيل المتواجدون

فلسطيننا

رام الله

حطين

مدينة القدس ... مدينة السلام

فلسطين الوطن

تصميم حسام جمعة - 70789647 | سكربت المكتبة الإسلامية 5.2

 

جميع الحقوق محفوظة لرابطة المعلمين الفلسطينيين في لبنان ©2013