.

عرض المقال :دور النشر رفضت كتابه.. قصة أول طبيب فلسطيني في السويد

  الصفحة الرئيسية » ركـن المقالات

دور النشر رفضت كتابه.. قصة أول طبيب فلسطيني في السويد


المصدر: موقع كمبِس السويدي

 كان أول عربي وطئت قدماه أراضي دولة السويد في العام 1943، وحصل على ختم الدولة بالسماح له بالإقامة الدائمة على أراضيها، هو الطبيب الفلسطيني «مفيد عبد الهادي». فما هي حكايته؟ وكيف وصلَ إلى شمال أوروبا؟ ولماذا حظرت السويد طباعة كتابه؟!

ولد مفيد أمين أحمد عبد الهادي لأسرة من الطبقة العليا في مدينة الناصرة شمالي فلسطين المحتلة في الثامن والعشرين من أغسطس أب عام 1913، فهو ابن «أمين أفندي»، حاكم مدينة الناصرة في أواخر «العهد العثماني في فلسطين».
 

ينتمي مفيد لقبيلة عربية ثرية ومهمة في قرية عرابة، جنوب غرب مدينة جنين، إذ كانَ والده «أمين بك»، يمتلك من عمه «حافظ باشا» إرثاً لمعظم الأراضي التي تحيط بقرية مقيبلة، جنوب شرق مرج ابن عامر، قبل الاستيلاء عليها من قبل العصابات الصهيونية العام 1948. وكانَ لولده علاقات وثيقة مع العديد من الشخصيات السورية البارزة آنذاك مثل «جميل مردم بك» و«شكري القوتلي»، اللذين تمكنا من الاختباء في منزل «أمين بك» في مدينة حيفا في عشرينيات القرن الماضي هرباً من أحكام الإعدام الصادرة بحقهما من قوات «الاحتلال الفرنسي في سوريا».
 

ومن بين الرجال الأقوياء الآخرين المعروفين في عائلة مفيد، ابن عمه المحامي «عوني عبد الهادي»، الذي لعبَ دوراً رئيسياً في التاريخ السياسي الفلسطيني أبان «الاحتلال البريطاني في فلسطين»، وهو أول رئيس للديوان الأميري العالي للأمير «عبد الله بن الحسين» في «إمارة شرق الأردن». وكان أبن عم أبيه، «روحي باشا عبد الهادي»، مسؤولًا في دائرة الإدارة العامة في وزارة الخارجية العثمانية العام 1915، ومساعداً لحاكم لواء القدس خلال الاحتلال البريطاني، ووزيراً لخارجية الأردن العام 1949.
 

أكملَ مفيد عبد الهادي دراسته الثانوية في المدرسة الأمريكية للبنين بمدينة رام الله العام 1929، ثم استقلَ سيارة أجرة في مدينة القدس في رحلة استغرقت ثماني ساعات للوصول إلى العاصمة اللبنانية بيروت، وفيها التحقَ بالجامعة الأمريكية، والتي كانت تضم أبناء الأسر الثرية من البلدان العربية، وعدد أقل من الأرمن والفرس والأمريكيين ويهود العراق.

 
أنهى مفيد عبد الهادي دراسة الطب في الجامعة الأمريكية ببيروت في يونيو 1936، ليحصل منها على «شهادة اختصاص في الطب والجراحة». ومع ذلك، واصلَ لاحقًا دراسته في الطب في كبرى جامعات بريطانيا وألمانيا ليتخصص بأمراض الأذن والأنف والحنجرة بـ«درجة أستاذ»، وهي درجة أكاديمية متقدمة تماثل درجة الدكتوراة.

 
عملَ الدكتور مفيد عبد الهادي في تخصصه بأمراض الأذن والأنف والحنجرة في ألمانيا خلال الفترة 1937 – 1943. وبسبب ضراوة أحداث الحرب العالمية الثانية في 1943، قررَ مغادرة ألمانيا والعيش في السويد، الدولة المحايدة آنذاك. وفي 26 مارس 1944، تزوجَ من الشابة السويدية «بريتا صوفيا شارلوتا جيستون»، ذات الـ 27 عاماً، وهي ابنة المهندس «كارل جيرهارد جوستافسون جيستون»، صاحب مزرعة سكيلبي في مدينه فيستروس، وأنجبَ منها طفلته «فوزية» في وقت مُبكر من العام 1945.

 
وفي أواخر 1945، قررَ الدكتور مفيد عبد الهادي الانتقال مع زوجته وطفلته الى مدينة القدس، وفيها افتتح عيادته الخاصة، لكن بسبب أحداث الحرب ونكبة فلسطين العام 1948، إضطرَ للانتقال إلى العاصمة الأردنية عمان، ومنها باتجاه العاصمة السورية دمشق.

 
وفي 1949، عادَ مفيد عبد الهادي مع زوجته وطفلته إلى السويد، إذ عاشَ فيها وحيداً، وهو يبكي مرارة نكبة فلسطين من جهة، ونكبته في العيش ببلد ليس فيه للغة العربية وجود من جهة أخرى. وفي 1959، رُزق بطفله «أمين».

 
في العام 1962، كتبَ مفيد عبد الهادي كتابه «ملكية العرب في فلسطين» باللغة السويدية، وذلك بهدف إيصال صوت الشعب الفلسطيني المذبوح إلى الشعب السويدي، ولكن سرعان ما حظرَ «الصهاينة» صوته، ومارسوا عليه شتى وسائل الضغط، وعلى مطابع الكُتب ودور النشر والتوزيع، حتى اضطرَ أخيراً لنشر الكتاب على نفقته الخاصة سنة 1962. ومع ذلك، لن تجد للكتاب أي أثر في جميع «المكتبات السويدية الحُرة» حتى يومنا هذا.

 
يقول المؤلف مفيد عبد الهادي في مقدمة كتابه «تم نشر هذا الكتاب من قبل المؤلف، وليس داراً للنشر. عرضت الكتاب على تسعة من الناشرين السويديين المختلفين، وجميعهم رفضوا نشره لأسباب مختلفة. يتساءل المرء بطبيعة الحال عن المعايير المستخدمة لاختيار الأدبيات السياسية للنشر في هذا اليوم وهذا العصر. هل هناك محاولات لإخفاء الحقائق التاريخية عن عامة الناس، أم إنه رُفضَ لمجرد كون محتواه مؤيداً للعرب؟ كانت الحجة الأكثر شيوعاً لرفضه أنه “كانَ أدباً سياسياً يستند على موضوع ضيق ومتخصص للغاية”. أخبرني أحد الناشرين بأن جميع الناشرين في السويد سيرفضون نشره بسبب محتواه على الرغم من موافقته، ودون تحفظات، مع كُل ما كتبته. وذكرَ لي كذلك بأن الكِتاب غير ضار، وبالتأكيد ليس معاد للسامية».

 
ويضيف مفيد عبد الهادي في كتابه أن «إريك هولم»، الموظف المسؤول في معهد السياسة الخارجية في ستوكهولم، قدْ قرأ نسخة من كتابه، وهو الشخص الذي يزود الجمهور السويدي بمعلومات عن الشؤون الخارجية عبر التلفزيون، فرد على كِتابه بالقول: «لقدْ أثبتت المخاوف التي ذكرتها عند استلام هذه المخطوطة لأول مرة. لقدْ سعى الدكتور عبد الهادي بوضوح إلى عرض الموقف العربي من قضية فلسطين للجمهور السويدي، أي أن فلسطين انتزعها الصهاينة من العرب بمساعدة قوة وخداع الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى. هذا الرأي بطبيعة الحال ليس خاطئاً تماماً. ومع ذلك، يجب وصف نسخة عبد الهادي بأنها قتال محض والكتيب دعائي لإثبات نظرية مشوهة. بعد إطلاقي هذا الهجوم اللفظي على عبد الهادي، والهجوم اللفظي الذي يستحقه على عمله، قدْ يكون من غير الضروري الإشارة إلى أنني أعتقد بأن المكان المُناسب لمخطوطة عبد الهادي هو سلة النفايات».


تتمحور فِكرة الكِتاب حول النكبة، ومحاولة المؤلف مفيد عبد الهادي وصفَ الرؤية العربية لأحداثها بكل موضوعية وبعيدًا عن العاطفة، وسرد المجازر الصهيونية بحق العرب الفلسطينيين، وما تبعها من تشريد للشعب العربي في فلسطين.

 
يُعتبر الكِتاب واحد من أهم الكُتب باللغة السويدية، وذلك لأنه يسرد شهادة طبيب من الطبقة العليا قبل وأثناء وبعد النكبة، الفترة المؤلمة من تاريخ الشعب العربي الفلسطيني. هي شهادة محجوبة ليست موجهة للسويديين فحسب، بل كذلك للجيل الجديد من العرب والفلسطينيين في السويد.
 

توفيت زوجة الطبيب مفيد عبد الهادي في مدينة سولنا في 29 نوفمبر 1997، قبل أن تتمكن من رؤية نشر كِتاب زوجها باللغة الإنجيلزية في العام 1998 من قبل الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية «مؤسسة باسيا في القدس». وهكذا، تحقق حلم الطبيب الفلسطيني مفيد عبد الهادي بنشر شهادته للجمهور، لكن فقط للجمهور الناطق باللغة الإنجيلزية، فلا يعرف شهادته باللغة السويدية إلا عدد قليل جداً من السويديين، فما زالت جميع المطابع ودور النشر والتوزيع السويدية الشهيرة ترفض طباعة كِتابه أو نشره.


توفي مؤلف الكِتاب مفيد عبد الهادي في مدينة سولنا في 27 سبتمبر 2001، بعد خدمة طويلة لآلاف المرضى كطبيب في مستشفى سابّاتسبيري بمدينة ستوكهولم، تاركاً لنا كلماته الحزينة في مقدمة كِتابه: «أهدي هذا الكتاب إلى والداي والآخرين، إلى اللاجئين العرب في نفس الطريق كما أنا، وإلى الذين فقدوا وطنهم الأم».
 « رجوع   الزوار: 666

تاريخ الاضافة: 14-05-2022

.

التعليقات : 0 تعليق

« إضافة مشاركة »

اسمك
ايميلك
تعليقك
7 + 5 = أدخل الناتج

.

جديد قسم ركـن المقالات

«الأونروا» أمام اختبار العجز والهدر

آثار قاسية يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان.. ممنوعون من البناء في المخيمات والتملك خارجها

«كلاوس» تؤكد على أولوية إصلاح التعليم ورفع جودة التعليم في مدارس «الأونروا»

لاعب كويتي ينسحب من بطول المبارزة العالمية في بلغاريا

الشاعر الفلسطيني ياسر الوقاد يفوز بجائزة مسابقة الكتابة الموجهة للطفل على مستوى العالم العربي 2023

القائمة الرئيسية

التاريخ - الساعة

Analog flash clock widget

تسجيل الدخول

اسم المستخدم
كـــلمــة الــمــرور
تذكرني   
تسجيل
نسيت كلمة المرور ؟

القائمة البريدية

اشتراك

الغاء الاشتراك

عدد الزوار

انت الزائر :286157
[يتصفح الموقع حالياً [ 96
تفاصيل المتواجدون

فلسطيننا

رام الله

حطين

مدينة القدس ... مدينة السلام

فلسطين الوطن

تصميم حسام جمعة - 70789647 | سكربت المكتبة الإسلامية 5.2

 

جميع الحقوق محفوظة لرابطة المعلمين الفلسطينيين في لبنان ©2013