.

عرض المقال :الحرباوي ورفاقه.. قصة كفاح فلسطينية في شوارع إسطنبول

  الصفحة الرئيسية » ركـن المقالات

الحرباوي ورفاقه.. قصة كفاح فلسطينية في شوارع إسطنبول



في وسط ساحة تقسيم إحدى أشهر ميادين إسطنبول، وأكثرها ازدحامًا بالمارة والمتسوقين يقف أحمد الحرباوي وفرقته الموسيقية لغناء أشهر الأغاني الفلسطينية وعزف أنغامها الجميلة، سعيًا لكسب الرزق.

ورغم تجمع العشرات من السياح العرب وحتى الأجانب، وتفاعلهم مع الأغاني الفلسطينية، تحديدًا الثوري منها، فإن الغناء لساعات قد لا يمنح أفراد الفرقة أكثر من 10 دولارات أمريكية للفرد الواحد.

الحرباوي ورفاقه الذين كانوا يعملون في سورية كفرقة للغناء الشعبي في الأفراح والمناسبات، وشردتهم الحرب، لم يجدوا طريقة لكسب عيشهم سوى الغناء في ساحات إسطنبول، رغم ما يحد هذه الطريقة من متاعب وصعوبات.

يقول الحرباوي لـ "قدس برس"، "لفترة طويلة، كانت الورقة النقدية من فئة الخمس ليرات تركية هي أكبر مبلغ رأيته في صندوق النقود، بالإضافة إلى الفكّة من فئة ليرة أو نصف ليرة"، مشيرًا إلى أنه ورفاقه لم يستطيعوا دفع إيجار الشقة على الوقت، ولو لمرة واحدة طوال العام الماضي.

وأضاف الحرباوي، أن بعض الفرق الأجنبية تلجأ إلى السُبات الشتوي بسبب المطر، وهي رفاهية لا تقدر الفرقة على تحمل نفقاتها.

باسل جروان، أحد عازفي الفرقة، أوضح لـ "قدس برس"، "أن مصيرهم يرتبط في الشتاء بالأخبار الجوية، وتتحول الأيام الماطرة إلى ديون مالية متوقعة، فغالبًا ما تلازم الفرقة المنزل في أيام البرد الشديد، فلن يتوقف المارة، إن وجِدوا، ليتجمدوا على أنغام الموسيقى".

"أما المطر، مطر إسطنبول الذي قد يستمر لأيام متواصلة، فهو نذير شؤم لا يمكن دفع مخاوفه بالممانعة، كما تعاند بعض الفرق البرد وتزحف إلى الشارع لتعمل"، وفقًا لجروان.

فالمطر ليس قلقًا ماديًا فحسب، فهو لا يعني خسارة اليومية، وإنما تهديد بالتلف، مضيفًا أن البرد يؤلم أصابع عازفي الآلات الوترية، إلى حدٍّ قد يتوقف عنده عن متابعة العزف، كما أن المطر يصعد من وتيرة الخوف، فتضرُّرُ الآلات الخشبية، كالعود، الكمان وغيرها، قد يكون نهاية محتّمة للعمل في الشارع، خاصة مع صعوبة إيجاد البديل، ليس من حيث النوع وإنما لانعدام المال الكافي.

المتاعب لا تتوقف على الأيام الماطرة بحسب خالد أبو شرخ، أحد أفراد الفرقة، فالحياة في تقسيم مقاومةٌ للجوع والتشرد بأبسط أشكالها، وإذا ما خُضنا في التفاصيل، تتحول البساطة إلى معارك مع الموسيقيين الآخرين، ومع الساحة نفسها.

ويصف أبو شرخ لـ "قدس برس"، الوضع بـ "حرب شوارع"، وللحرب في تقسيم وشارع "استقلال"، معالم مشابهة لكل الحروب: نقاط تمركز وجبهات، حربٌ على السلطة، وانقسامات.

أما نقاط التمركز، والتي غالباً ما تُحدِّدُ إذا ما كانت الفرقة ستحصل على نقود كافية أم لا، فعددها 10، وتزداد أهميتها كلما اقتربت من الساحة.

ويتأثر مقياس الأهمية بالبعد أيضاً، فكلما كانت النقاط بعيدة عن المراكز الأمنية والمحال التجارية، ازداد تهافت الموسيقيين عليها وازدادت قدرتهم على توسيع حلقة الجمهور من حولهم.

فالنقاط لا تُوزَّع عادةً، وإنما تُكتسب بشكل يومي واعتماداً على الحظ، فمن يأتي أولاً ليستقر في المكان، ويفرض الشتاتَ على الباقين من الموسيقيين على تنوع جنسياتهم.

العوائق لا تتوقف هنا بحسب الحرباوي ورفاقه، فسلطة الشارع التي تتمثل بعناصر شرطة البلدية المنتشرين في أرجائه، يضبطُ هؤلاء، مشكلة أخرى.

فالموسيقيين يشكلون هدفاً يلقى الحصة الأكبر من تركيز عناصر البلدية، وتتعدد أنشطتهم بين المراقبة، الضبط، التعنيف والمصادرة.

وفي غياب أي قوانين واضحة، يعتمدُ الموسيقيون على التجربة والخبرة التراكمية للتعامل مع الضوابط الأمنية شديدة التقلب، الأقرب إلى تفاهمٍ يومي منها إلى ثوابت يمكن العمل وفقها، فالشرطي الذي يمنعك اليوم من مزاولة العمل، قد يطلب منك شخصياً الاستمرار بالغناء غداً، وقد يستفيض بكرمه فيسمح لعلامات الاستمتاع بالظهور على وجهه، الذي اعتاد العبوس في وجوه فناني الشارع.

تستمر الضابطة، على طول الشارع لساعات طويلة وعلى اختلاف الأحوال الجوية، بالمراقبة الصبورة، الحذرة والدقيقة، ترصد أبسط تحركات الموسيقيين، وكأنها تعدُّ الأنفاس عليهم أو تنتظر أبسط هفواتهم، التي قد تكون ارتفاعاً في حدة الموسيقى، ارتفاعٌ يعرف أفراد الرابطة وحدهم إذا ما كان يستدعي التنبيه، ليتدخلوا حينما يحلو لهم، أو عندما يستدعيهم أحد أصحاب المحلات لإنذار أو طرد فرقة موسيقية أزعجت الزبائن بالموسيقى أو الازدحام، وقد يكون التدخل هنا رقيقاً فيقتصر على إصدار أمر تنتقل بموجبه الفرقة إلى مكان آخر.

يأخذ التدخل بهدف الضبط منحاً أقسى في حال التجمهر، على الرغم من أن الموسيقيين لا يتحملون عبء هذا الأمر، وإنما موسيقاهم، إذا أمكن القول، والجمهور المنجذب؛ فإذا ما لاحظ أحد أفراد الضابطة أن عدد الناس الملتفين حول الفرقة قد زاد على ثلاثين، وهو رقمٌ يُحسب تقديرياً وليس عدّاً، ويقوك بإجبار أحد أفراد الفرقة على تفرقة الجمهور بإعلان انتهاء الأغنية، ولو كانت في منتصفها.

ليتواصل كفاح الحرباوي ورفاقه من أجل لقمة العيش، التي جعلتها الحروب والتهجير المستمر غاية صعبة لا يمكن الوصول إليها بسهولة.
 
المصدر: وكالة قدس برس 
 « رجوع   الزوار: 1262

تاريخ الاضافة: 18-06-2019

.

التعليقات : 0 تعليق

« إضافة مشاركة »

اسمك
ايميلك
تعليقك
6 + 4 = أدخل الناتج

.

جديد قسم ركـن المقالات

«الأونروا» أمام اختبار العجز والهدر

آثار قاسية يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان.. ممنوعون من البناء في المخيمات والتملك خارجها

«كلاوس» تؤكد على أولوية إصلاح التعليم ورفع جودة التعليم في مدارس «الأونروا»

لاعب كويتي ينسحب من بطول المبارزة العالمية في بلغاريا

الشاعر الفلسطيني ياسر الوقاد يفوز بجائزة مسابقة الكتابة الموجهة للطفل على مستوى العالم العربي 2023

القائمة الرئيسية

التاريخ - الساعة

Analog flash clock widget

تسجيل الدخول

اسم المستخدم
كـــلمــة الــمــرور
تذكرني   
تسجيل
نسيت كلمة المرور ؟

القائمة البريدية

اشتراك

الغاء الاشتراك

عدد الزوار

انت الزائر :287344
[يتصفح الموقع حالياً [ 132
تفاصيل المتواجدون

فلسطيننا

رام الله

حطين

مدينة القدس ... مدينة السلام

فلسطين الوطن

تصميم حسام جمعة - 70789647 | سكربت المكتبة الإسلامية 5.2

 

جميع الحقوق محفوظة لرابطة المعلمين الفلسطينيين في لبنان ©2013